أحكام الصيد البري ( المائدة5

أحكام الصيد البري

المائدة :5

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ

سبب نزول الآية

عن عكرمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع في قتل الكلاب، فقتل حتى بلغ العوالي، فدخل عاصم بن عدي وسعد بن خيثمة وعويم بن ساعدة، فقالوا: ماذا أحل لنا يا رسول الله؟ فنزلت: {يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين}

عن عدي بن حاتم الطائي، قال: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن صيد الكلاب، فلم يدر ما يقول له، حتى نزلت هذه الآية: {تعلمونهن مما علمكم الله}

التفسير

من تفسير الطبري

قوله تعالى: {يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين} يعني بذلك جل ثناؤه: يسألك يا محمد أصحابك ما الذي أحل لهم أكله من المطاعم والمآكل، فقل لهم: أحل منها الطيبات، وهي الحلال الذي أذن لكم ربكم في أكله من الذبائح، وأحل لكم أيضا مع ذلك صيد ما علمتم من الجوارح، ومن الكواسب من سباع البهائم والطير، سميت جوارح لجرحها لأربابها وكسبها إياهم أقواتهم من الصيد، يقال منه: جرح فلان لأهله خيرا: إذا أكسبهم خيرا، وفلان جارحة أهله: يعني بذلك: كاسبهم، ولا جارحة لفلانة إذا لم يكن لها كاسب،. وترك من قوله: {وما علمتم} "وصيد " ما علمتم من الجوارح اكتفاء بدلالة ما ذكر من الكلام على ما ترك ذكره. وذلك أن القوم فيما بلغنا كانوا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمرهم بقتل الكلاب عما يحل لهم اتخاذه منها ، فأنزل الله عز ذكره فيما سألوا عنه من ذلك هذه الآية فاستثنى مما كان حرم اتخاذه منها، وأمر بقنية كلاب الصيد وكلاب الماشية وكلاب الحرث، وأذن لهم باتخاذ ذلك. ثم اختلف أهل التأويل في الجوارح التي عنى الله بقوله: {وما علمتم من الجوارح} فقال بعضهم هو كل ما علم الصيد فتعلمه من بهيمة أو طائر. عن علي، عن ابن عباس، قوله: {وما علمتم من الجوارح مكلبين} يعني بالجوارح: الكلاب الضواري والفهود والصقور وأشباهها و عنه أيضا: {وما علمتم من الجوارح مكلبين} الجوارح: الكلاب والصقور المعلمة.وعن مجاهد في قوله: {وما علمتم من الجوارح مكلبين} قال: الطير، والكلاب. وعن السدي، قوله: {وما علمتم من الجوارح مكلبين} يقول: أحل لكم صيد الكلاب التي علمتموهن. عن ابن عمر، قال: أما ما صاد من الطير والبزاة من الطير، فما أدركت فهو لك، وإلا فلا تطعمه.وأولى القولين بتأويل الآية، قول من قال: كل ما صاد من الطير والسباع فمن الجوارح، وإن صيد جميع ذلك حلال إذا صاد بعد التعليم، لأن الله جل ثناؤه عم بقوله: {وما علمتم من الجوارح مكلبين} كل جارحة، ولم يخصص منها شيئا، فكل جارحة كانت بالصفة التي وصف الله من كل طائر وسبع فحلال أكل صيدها. عن عدي بن حاتم، قال: سألت رسول الله عن صيد البازي، فقال: "ما أمسك عليك فكل " فأباح صيد البازي وجعله من الجوارح، ففي ذلك دلالة بينة على فساد قول من قال: عنى أنه بقوله: {وما علمتم من الجوارح} ما علمنا من الكلاب خاصة دون غيرها من سائر الجوارح.

قوله تعالى: {تعلمونهن مما علمكم الله} يعني جل ثناؤه بقوله: {تعلمونهن} تؤدبون الجوارح، فتعلمونهن طلب الصيد لكم مما علمكم الله، يعني بذلك: من التأديب الذي أدبكم الله والعلم الذي علمكم.وقد قال بعض أهل التأويل: معنى قوله: {مما علمكم الله} كما علمكم الله. تعلمونهن من الطلب كما علمكم الله.ولسنا نعرف في كلام العرب "من " بمعنى الكاف، لأن "من " تدخل في كلامهم بمعنى التبعيض، والكاف بمعنى التشبيه. و اختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم: هو أن يستشلى لطلب الصيد إذا أرسله صاحبه، ويمسك عليه إذا أخذه فلا يأكل منه، ويستجيب له إذا دعاه، ولا يفر منه إذا أراده، فإذا تتابع ذلك منه مرارا كان معلما. وهذا قول جماعة من أهل الحجاز وبعض أهل العراق. قال عطاء: كل شيء قتله صائدك قبل أن يعلم ويمسك ويصيد فهو ميتة، ولا يكون قتله إياه ذكاة حتى يعلم ويمسك ويصيد، فإن كان ذلك ثم قتل فهو ذكاته. و عن ابن عباس، قال: المعلم من الكلاب أن يمسك صيده فلا يأكل منه حتى يأتيه صاحبه، فإن أكل من صيده قبل أن يأتيه صاحبه فيدرك ذكاته، فلا يأكل من صيده.. وقال آخرون نحو هذه المقالة، غير أنهم حدوا لمعرفة الكلاب بأن كلبه قد قبل التعليم، وصار من الجوارح الحلال صيدها أن يفعل ذلك كلبه مرات ثلاثا، وهذا قول محكي عن أبي يوسف ومحمد بن الحسن.وقال آخرون ممن قال هذه المقالة: لا حد لعلم الكلاب بذلك من كلبه أكثر من أن يفعل كلبه ما وصفنا أنه له تعليم؛ قالوا: فإذا فعل ذلك فقد صار معلما حلالا صيده. وهذا قول بعض المتأخرين.وفرق بعض قائلي هذه المقالة بين تعليم البازي وسائر الطيور الجارحة، وتعليم الكلب وضاري السباع الجارحة، فقال: جائز أكل ما أكل منه البازي من الصيد. قالوا: وإنما تعليم البازي أن يطير إذا استشلي، ويجب إذا دعي، ولا ينفر من صاحبه إذا أراد أخذه. قالوا: وليس من شروط تعليمه أن لا يأكل من الصيد..وقال آخرون منهم: سواء تعليم الطير والبهائم والسباع، لا يكون نوع من ذلك معلما إلا بما يكون به سائر الأنواع معلما. وقالوا: لا يحل أكل شيء من الصيد الذي صادته جارحة فأكلت منه، كائنة ما كانت تلك الجارحة بهيمة أو طائرا.. وقال آخرون: تعليم كل جارحة من البهائم والطير واحد، قالوا: وتعليمه الذي يحل به صيده أن يشلى على الصيد فيستشلي ويأخذ الصيد، ويدعوه صاحبه فيجيب، أو لا يفر منه إذا أخذه. قالوا: فإذا فعل الجارح ذلك كان معلما داخلا في المعنى الذي قال الله : {وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم} قالوا: وليس من شرط تعليم ذلك أن لا يأكل من الصيد، قالوا: وكيف يجوز أن يكون ذلك من شرطه وهو يؤدب بأكله؟ قال الامام الطبري وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندنا في تأويل قوله: {تعلمونهن مما علمكم الله} أن التعليم الذي ذكره الله في هذه الآية للجوارح، إنما هو أن يعلم الرجل جارحه الاستشلاء إذا أشلي على الصيد، وطلبه إياه إذا أغري، أو إمساكه عليه إذا أخذ من غير أن يأكل منه شيئا، وألا يفر منه إذا أراده، وأن يجيبه إذا دعاه، فذلك هو تعليم جميع الجوارح طيرها وبهائمها. وإن أكل من الصيد جارحة صائد، فجارحه حينئذ غير معلم. فإن أدرك صاحبه حيا فذكاه حل له أكله، وإن أدركه ميتا لم يحل له، لأنه مما أكله السبع الذي حرمه الله تعالى بقوله: {وما أكل السبع} ولم يدرك ذكاته. عن عدي بن حاتم، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصيد، فقال: "إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله عليه، فإن أدركته وقد قتل وأكل منه، فلا تأكل منه شيئا، فإنما أمسك على نفسه "

قوله تعالى: {فكلوا مما أمسكن عليكم} يعني بقوله: {فكلوا مما أمسكن عليكم} فكلوا أيها الناس مما أمسكت عليكم جوارحكم.واختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: ذلك على الظاهر والعموم كما عممه الله حلال أكل كل ما أمسكت علينا الكلاب والجوارح المعلمة من الصيد الحلال أكله، أكل منه الجارح والكلاب أو لم يأكل منه، أدركت ذكاته فذكي أو لم تدرك ذكاته حتى قتلته الجوارح، بجرحها إياه أو بغير جرح. وهذا قول الذين قالوا: تعليم الجوارح الذي يحل به صيدها أن تعلم الاستشلاء على الصيد وطلبه إذا أشليت عليه وأخذه، وترك الهرب من صاحبها دون ترك الأكل من صيدها إذا صادته. وقد ذكرنا قول قائلي هذه المقالة والرواية عنهم بأسانيدها الواردة آنفا.وقال آخرون: بل ذلك على الخصوص دون العموم، قالوا: ومعناه: فكلوا مما أمسكن عليكم من الصيد جميعه دون بعضه. قالوا: فإن أكلت الجوارح منه بعضا وأمسكت بعضا، فالذي أمسكت منه غير جائز أكله وقد أكلت بعضه لأنها إنما أمسكت ما أمسكت من ذلك الصيد بعد الذي أكلت منه على أنفسها لا علينا، و الله تعالى ذكره إنما أباح لنا كل ما أمسكته جوارحنا المعلمة عليه بقوله: {فكلوا مما أمسكن عليكم} دون ما أمسكته على أنفسها، وهذا قول من قال: تعليم الجوارح الذي يحل به صيدها، أن تستشلى للصيد إذا أشليت فتطلبه وتأخذه، فتمسكه على صاحبها فلا تأكل منه شيئا، ولا تفر من صاحبها؛ فعن عدي، قوله: {فكلوا مما أمسكن عليكم} قال: قلت يا رسول الله إن أرضي أرض صيد؟ قال: "إذا أرسلت كلبك وسميت فكل مما أمسك عليك كلبك، وإن قتل، فإن أكل فلا تأكل فإنه إنما أمسك على نفسه "

قوله تعالى: {واذكروا اسم الله عليه} يعني جل ثناؤه بقوله: {واذكروا اسم الله} على ما أمسكت عليكم جوارحكم من الصيد. عن ابن عباس، قوله: {واذكروا اسم الله عليه} يقول: إذا أرسلت جارحك فقل: بسم الله، وإن نسيت فلا حرج.

قوله تعالى: {واتقوا الله إن الله سريع الحساب} يعني جل ثناؤه: واتقوا الله أيها الناس فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه، فاحذروه في ذلك أن تقدموا على خلافه، وأن تأكلوا من صيد الجوارح غير المعلمة أو مما لم تمسك عليكم من صيدها وأمسكته على أنفسها، أو تطعموا ما لم يسم الله عليه من الصيد والذبائح مما صاده أهل الأوثان وعبدة الأصنام ومن لم يوجد الله من خلقه، أو ذبحوه، فإن الله قد حرم ذلك عليكم فاجتنبوه. ثم خوفهم إن هم فعلوا ما نهاهم عنه من ذلك ومن غيره فقال: اعلموا أن الله سريع حسابه لمن حاسبه على نعمته عليه منكم وشكر الشاكر منكم ربه، على ما أنعم به عليه بطاعته إياه فيما أمر ونهى، لأنه حافظ لجميع ذلك فيكم فيحيط به، لا يخفى عليه منه شيء، فيجازي المطيع منك بطاعته والعاصي لمعصيته، وقد بين لكم جزاء الفريقين.