أجر الاجتهاد

 

أجر الاجتهاد

 حدثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ الْمَكِّيُّ حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ قَالَ فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَقَالَ هَكَذَا حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُطَّلِبِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ

رواه البخاري و مسلم و غيرهما و اللفظ للبخاري

مخرجو الحديث

أخرجه البخاري في صحيحه, كتاب: الاعتصام بالكتاب و السنة, باب : أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب  أو أخطأ

و أخرجه مسلم في صحيحه, كتاب: الأقضية  باب: بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب  أو أخطأ

والترمذي و النسائي و أبو داود و ابن ماجة في سننهم , وأحمد في مسنده

درجة الحديث

حديث صحيح متفق عليه في صحته و لم يختلف في اسناده و رجاله كلهم ثقات مشهورون بالعدالة و الضبط

الشرح

قال في فتح الباري في شرح صحيح البخاري

قوله ( إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب ) في رواية أحمد " فأصاب " قال القرطبي : هكذا وقع في الحديث بدأ بالحكم قبل الاجتهاد والأمر بالعكس , فإن الاجتهاد يتقدم الحكم إذ لا يجوز الحكم قبل الاجتهاد اتفاقا , لكن التقدير في قوله " إذا حكم " إذا أراد أن يحكم فعند ذلك يجتهد , قال ويؤيده أن أهل الأصول قالوا : يجب على المجتهد أن يجدد النظر عند وقوع النازلة , ولا يعتمد على ما تقدم له لإمكان أن يظهر له خلاف غيره انتهى , ويحتمل أن تكون الفاء تفسيرية لا تعقيبية وقوله " فأصاب " أي صادف ما في نفس الأمر من حكم الله تعالى .

قوله ( ثم أخطأ ) أي ظن أن الحق في جهة , فصادف أن الذي في نفس الأمر بخلاف ذلك , فالأول له أجران : أجر الاجتهاد وأجر الإصابة . والآخر له أجر الاجتهاد فقط

قال أبو بكر بن العربي تعلق بهذا الحديث من قال إن الحق في جهة واحدة للتصريح بتخطئة واحد لا بعينه , قال وهي نازلة في الخلاف عظيمة , وقال المازري تمسك به كل من الطائفتين من قال إن الحق في طرفين , ومن قال إن كل مجتهد مصيب , أما الأولى فلأنه لو كان كل مصيبا لم يطلق على أحدهما الخطأ لاستحالة النقيضين في حالة واحدة ; وأما المصوبة فاحتجوا بأنه صلى الله عليه وسلم جعل له أجرا فلو كان لم يصب لم يؤجر , وأجابوا عن إطلاق الخطأ في الخبر على من ذهل عن النص أو اجتهد فيما لا يسوغ الاجتهاد فيه من القطعيات فيما خالف الإجماع فإن مثل هذا إن اتفق له الخطأ فيه نسخ حكمه وفتواه ولو اجتهد بالإجماع , وهو الذي يصح عليه إطلاق الخطأ , وأما من اجتهد في قضية ليس فيها نص ولا إجماع فلا يطلق عليه الخطأ , وأطال المازري في تقرير ذلك والانتصار له , وختم كلامه بأن قال إن من قال إن الحق في طرفين هو قول أكثر أهل التحقيق من الفقهاء والمتكلمين ; وهو مروي عن الأئمة الأربعة وإن حكى عن كل منهم اختلاف فيه . قلت : والمعروف عن الشافعي الأول , قال القرطبي في المفهم : الحكم المذكور ينبغي أن يختص بالحاكم بين الخصمين , لأن هناك حقا معينا في نفس الأمر يتنازعه الخصمان , فإذا قضى به لأحدهما بطل حق الآخر قطعا , وأحدهما فيه مبطل لا محالة , والحاكم لا يطلع على ذلك فهذه الصورة لا يختلف فيها أن المصيب واحد لكون الحق & في طرف & واحد , وينبغي أن يختص الخلاف بأن المصيب واحد , إذ كل مجتهد مصيب بالمسائل التي يستخرج الحق منها بطريق الدلالة , وقال ابن العربي : عندي في هذا الحديث فائدة زائدة حاموا عليها فلم يسقوا وهي : أن الأجر على العمل القاصر على العامل واحد , والأجر على العمل المتعدي يضاعف , فإنه يؤجر في نفسه وينجر له كل ما يتعلق بغيره من جنسه فإذا قضى بالحق وأعطاه لمستحقه ثبت له أجر اجتهاده وجرى له مثل أجر مستحق الحق , فلو كان أحد الخصمين ألحن بحجته من الآخر فقضي له - والحق في نفس الأمر لغيره - كان له أجر الاجتهاد فقط . قلت : وتمامه أن يقال : ولا يؤاخذ بإعطاء الحق لغير مستحقه لأنه لم يتعمد ذلك بل وزر المحكوم له قاصر عليه , ولا يخفي أن محل ذلك أن يبذل وسعه في الاجتهاد وهو من أهله , وإلا فقد يلحق به الوزر إن أخل بذلك والله أعلم .

قال الإمام النووي عند شرحه الحديث:

قوله : ( عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن بسر بن سعيد عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص ) هذا الإسناد فيه أربعة تابعيون بعضهم عن بعض , وهم يزيد فمن بعده . قوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران , وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر ) قال العلماء : أجمع المسلمون على أن هذا الحديث في حاكم عالم أهل للحكم , فإن أصاب فله أجران : أجر باجتهاده , وأجر بإصابته , وإن أخطأ فله أجر باجتهاده . وفي الحديث محذوف تقديره : إذا أراد الحاكم فاجتهد , قالوا : فأما من ليس بأهل للحكم فلا يحل له الحكم , فإن حكم فلا أجر له بل هو آثم , ولا ينفذ حكمه , سواء وافق الحق أم لا ; لأن إصابته اتفاقية ليست صادرة عن أصل شرعي فهو عاص في جميع أحكامه , سواء وافق الصواب أم لا , وهي مردودة كلها , ولا يعذر في شيء من ذلك , وقد جاء في الحديث في السنن " القضاة ثلاثة : قاض في الجنة , واثنان في النار , قاض عرف الحق فقضى به فهو في الجنة , وقاض عرف الحق فقضى بخلافه فهو في النار , وقاض قضى على جهل فهو في النار "

 وقد اختلف العلماء في أن كل مجتهد مصيب أم المصيب واحد , وهو من وافق الحكم الذي عند الله تعالى والآخر مخطئ لا إثم عليه لعذره ؟

الأصح عند الشافعي وأصحابه أن المصيب واحد , وقد احتجت الطائفتان بهذا الحديث , وأما الأولون القائلون : ( كل مجتهد مصيب ) فقالوا : قد جعل للمجتهد أجر فلولا إصابته لم يكن له أجر , وأما الآخرون فقالوا : سماه مخطئا , لو كان مصيبا لم يسمه مخطئا , وأما الأجر فإنه حصل له على تعبه في الاجتهاد , قال الأولون : إنما سماه مخطئا لأنه محمول على من أخطأ النص أو اجتهد فيما لا يسوغ فيه الاجتهاد كالمجمع عليه وغيره , وهذا الاختلاف إنما هو في الاجتهاد في الفروع , فأما أصول التوحيد فالمصيب فيها واحد بإجماع من يعتد به , ولم يخالف إلا عبد الله بن الحسن العبتري وداود الظاهري فصوبا المجتهدين في ذلك أيضا , قال العلماء : الظاهر أنهما أراد المجتهدين من المسلمين دون الكفار . والله أعلم .