التثبت من الأخبار (6-7-8)الحجرات

التثبت من الأخبار

 

الحجرات : (6-7-8)

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ 6 وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ7 فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ 8

 

سبب نزول الآية (6): نزلت في الوليد بن عقبة بم أبي معيط, و هو قول أكثر المفسرين, فقد بعثه الرسول صلى الله عليه و سلم إلى بني المصطلق مصدقا و كان بينهما إحنة ( أي حقد ) فلما سمعوا به ركبوا إليه , فلما سمع بهم خافهم, فرجع فقال: إن القوم هموا بقتلي, و منعوا صدقاتهم, فهم النبي صلى الله عليه و سلم بغزوهم ,فبينما هم كذلك إذ قدم وفدهم و قالوا : يا رسول الله سمعنا برسولك , فخرجنا نكرمه و نؤدي إليه ما قبلنا من الصدقة, فاتهمهم النبي صلى الله عليه و سلم و قال: " لتنتهن أو لأبعثن إليكم رجلا و هو عندي كنفسي, يقاتل مقاتلتكم و يسبي ذراريكم"  فضرب على كتف علي كرم الله وجهه ,فقالوا نعوذ بالله من غضبه و غضب رسوله صلى الله عليه و سلم

 و قيل بعث إليهم خالد بن الوليد, فوجدهم منادين بالصلاة متهجدين, فسلموا إليه الصدقات, فرجع .  و عند هؤلاء المفسرين أنه كان ثقة عند رسول الله صلى الله عليه و سلم, فصار فاسقا بكذبه, و الظاهر أنه سمي فاسقا تنفيرا و زجرا عن الاستعجال في الأمر من غير تثبت, فهو متؤول و مجتهد, و ليس فاسقا على الحقيقة.

التفسير

من تفسير الجلالين

(يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ) خبر (فتبينوا) صدقه من كذبه وفي قراءة فتثبتوا من الثبات (أن تصيبوا قوما) مفعوله أي خشية ذلك (بجهالة) حال من الفاعل أي جاهلين (فتصبحوا) تصيروا (على ما فعلتم) من الخطأ بالقوم (نادمين) وأرسل صلى الله عليه وسلم إليهم بعد عودهم إلى بلادهم خالدا فلم ير فيهم إلا الطاعة والخير فأخبر النبي بذلك

(واعلموا أن فيكم رسول الله) فلا تقولوا الباطل فإن الله يخبره بالحال (لو يطيعكم في كثير من الأمر) الذي تخبرون به على خلاف الواقع فيرتب على ذلك مقتضاه (لعنتم) لأثمتم دونه إثم التسبب إلى المرتب (ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه) حسنه (في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان) استدراك من حيث المعنى دون اللفظ لأن من حبب إليه الإيمان الخ غايرت صفته صفة من تقدم ذكره (أولئك هم) فيه التفات عن الخطاب (الراشدون) الثابتون على دينهم

المضامين

·         أمر المؤمنين بالتثبت من الأخبار تجنبا للفتنة

·         تذكير المؤمنين بوجود الرسول صلى الله عليه و سلم بينهم للسؤال و الانقياد لأمره

   .   وصف المتثبتين من الأخبار بالاستقامة و الرشد

   .  تفضله تعالى على المؤمنين المخلصين الذين لا يكذبون النبي صلى الله عليه وسلم ولا يخبرون بالباطل بجعل الإيمان أحب الأديان إليهم. بتوفيقه إليهم حتى اختاروه. وفي هذا رد على القدرية و الإمامية وغيرهم

الأحكام

   .  وجوب التثبت من الأخبار المنقولة منعا من إيذاء الآخرين و تجنبا للندم على العجلة

   .  صحة قبول خبر الواحد إذا كان عدلا، لقرينة  الأمر بالتثبت عند نقل خبر الفاسق. و الفاسق الكذاب. وقيل هو المعلن بالذنب. وقيل: الذي لا يستحي من الله. وقال ابن عباس: يريد به الكذب خاصة. وقاله ابن زيد. وقيل: كل ما خرج عن الطاعة، مشتق من فسقت الرطبة خرجت من قشرها. والفأرة من جحرها.

   .  بطلان  قول من ثبت فسقه في الأخبار إجماعا، لأن الخبر أمانة والفسق قرينة يبطلها. وقد استئنى الإجماع من جملة ذلك ما يتعلق بالدعوى والجحود، وإثبات حق مقصود على الغير، مثل أن يقول: هذا مالي، فإنه يقبل قوله. وإذا قال: قد أنفذ فلان هذا لك هدية، فإنه يقبل ذلك. وكذلك يقبل في مثله خبر الكافر. وكذلك إذا أقر لغيره بحق على نفسه فلا يبطل إجماعا.

   .  صحة ولاية الفاسق في النكاح عند مالك و ابي حنيفة خلافا للشافعي  ، لأنه يلي مالها فيلي بضعها. كالعدل، وهو وإن كان فاسقا في دينه إلا أن غيرته موفرة وبها يحمي الحريم، وقد يبذل المال ويصون الحرمة

   .  أحكامه إن كان واليا فينفذ منها ما وافق الحق ويرد ما خالفه، ولا ينقض حكمه الذي أمضاه بحال وهو قول القرطبي

   .  لا خلاف في أنه يصح أن يكون رسولا عن غيره في قول يبلغه أو شيء يوصله، أو إذن يعلمه، إذا لم يخرج عن حق المرسل، والمبلغ، فإن تعلق به حق لغيرهما لم يقبل قوله. وهذا جائز للضرورة الداعية اليه

   .  ظاهر الآية دليل على فساد من قال: إن المسلمين كلهم عدول حتى تثبت الجرحة، لأن الله تعالى أمر بالتثبت قبل القبول، ولا معنى للتثبت بعد إنفاذ الحكم، فإن حكم الحاكم قبل التثبت فقد أصاب المحكوم عليه بجهالة.فإن قضى بما يغلب على الظن لم يكن ذلك عملا بجهالة، كالقضاء بالشاهدين العدليين، وقبول قول العالم المجتهد. وإنما العمل بالجهالة قبول قول من لا يحصل غلبة الظن بقبوله