الترغيب في القضاء بالحق

الترغيب  في القضاء بالحق

 

عَنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ وَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ

متفق عليه واللفظ للبخاري

سبب الورود

جاء رجلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يختصمان في ارث بينهما ولم يكن لهما بينة إلا دعواهما المجردة فقال رسول الله ( إنما أنا بشر...) (رواية أبي داوود )

وفي صحيح البخاري أنه صلى الله عليه وسلم سمع خصومة بحجرته فخرج إليهم فقال: إنما أنا بشر ...

ترجمة راوية الحديث : أم سلمة : هي هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم , القراشية , المخزومية , أم المؤمنين , كانت جوز ابن عمها أبي سامة ابن عبد الأسد بن المغيرة فمات عنها فتجوزها الرسول صلى الله عليه و سلم في جمادى الآخرة سنة أربع وقيل ثلاث , و هي أول امرأة هاجرت إلى الحبشة وأول امرأة دخلت المدينة روت عن النبي صلى الله عليه و سلم و عن أبي سلمة و عن فاطمة الزهراء , وروى عنها ابنها عمر و زينب و أخوها عامر و بن أخيها مصعب بن عبد الله وغيرهم , كما روى عنها بعض كبار التابعين كسعيد بن المسيب و اختلف في سنة و فاتها قيل 59 أو 60 أو 62 أو قبل ذلك .

درجة الحديث

حديث صحيح متفق عليه في صحته و لم يختلف في إسناده و رجاله كلهم ثقات مشهورون بالعدالة و الضبط .

مخرج الحديث

أخرج هذا الحديث بالإضافة إلى الإمام مالك في الموطأ , البخاري في كتاب الشهادات و في الأحكام و مسلم في صحيحه وغيرهم بألفاظ مختلفة  .

مضامين الحديث

1- اثبات بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم وان امتاز عن سائر البشر بمزايا وصفات .

2- وجوب الاحتكام إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته والى سنته و شرعه بعد وفاته

3- ادعاء الباطل و تزيينه من الأمور البشرية التي لا يخلوا منها زمن .

4- الحكم بظواهر الأمور و الله يتولى السرائر .

5- لا يعلم الأمور الغيبية و بواطنها إلا الله ومن أطلعه عليها من رسول .

6- التحذير من أكل أموال الناس بالباطل وبيان جزاء من أخذ مال الغير بغير حق .

شرح الحديث

صحيح مسلم بشرح الامام النووي

قوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما أنا بشر ) معناه التنبيه على حالة البشرية , وأن البشر لا يعلمون من الغيب وبواطن الأمور شيئا إلا أن يطلعهم الله تعالى على شيء من ذلك , وأنه يجوز عليه في أمور الأحكام ما يجوز عليهم , وأنه إنما يحكم بين الناس بالظاهر , والله يتولى السرائر , فيحكم بالبينة وباليمين ونحو ذلك من أحكام الظاهر مع إمكان كونه في الباطن خلاف ذلك , ولكنه إنما كلف الحكم بالظاهر , وهذا نحو قوله صلى الله عليه وسلم : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ) وفي حديث المتلاعنين : " لولا الأيمان لكان لي ولها شأن " ولو شاء الله تعالى لأطلعه صلى الله عليه وسلم على باطن أمر الخصمين فحكم بيقين نفسه من غير حاجة إلى شهادة أو يمين , لكن لما أمر الله تعالى أمته باتباعه والاقتداء بأقواله وأفعاله وأحكامه أجرى له حكمهم في عدم الإطلاع على باطن الأمور , ليكون حكم الأمة في ذلك حكمه , فأجرى الله تعالى أحكامه على الظاهر الذي يستوي فيه هو وغيره ; ليصح الاقتداء به , وتطيب نفوس العباد للانقياد للأحكام الظاهرة من غير نظر إلى الباطن . والله أعلم. وفي هذا الحديث : دلالة لمذهب مالك والشافعي وأحمد وجماهير علماء الإسلام وفقهاء الأمصار من الصحابة والتابعين فمن بعدهم أن حكم الحاكم لا يحيل الباطل , ولا يحل حراما , فإذا شهد شاهدا زور لإنسان بمال , فحكم به الحاكم ; لم يحل للمحكوم له ذلك المال , ولو شهدا عليه بقتل لم يحل للولي قتله مع علمه بكذبهما , وإن شهدا بالزور أنه طلق امرأته لم يحل لمن علم بكذبهما أن يتزوجها بعد حكم القاضي بالطلاق , وقال أبو حنيفة - رضي الله عنه - : يحل حكم الحاكم الفروج دون الأموال , فقال : يحل نكاح المذكورة , وهذا مخالف لهذا الحديث الصحيح ولإجماع من قبله , ومخالف لقاعدة وافق هو وغيره عليها , وهي أن الأبضاع ولى بالاحتياط من الأموال . والله أعلم . قوله صلى الله عليه وسلم : ( فإنما أقطع له به قطعة من النار ) معناه : إن قضيت له بظاهر يخالف الباطن فهو حرام يؤول به إلى النار . قوله صلى الله عليه وسلم : ( فليحملها أو يذرها ) ليس معناه التخيير , بل هو التهديد والوعيد , كقوله تعالى : { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } وكقوله سبحانه : { اعملوا ما شئتم } .. قوله صلى الله عليه وسلم : ( فمن قضيت له بحق مسلم ) – في رواية أخرى - هذا التقييد بالمسلم خرج على الغالب وليس المراد به الاحتراز من الكافر , فإن مال الذمي والمعاهد والمرتد في هذا كمال المسلم . والله أعلم .

 

ما يؤخذ من الحديث

أخذ العلماء كثيرا من الفوائد العلمية و الفقهية منها:

2.    أن الحكم ينبني على الظاهر دون الباطل كما يدل عليه أيضا قوله صلى الله عليه و سلملرجل قتلا رجلا من المشركين بعدما قال أشهد ن لا إله إلا الله " فهلا شققت على بطنه فعلمت ما في قلبه "

4.    أن القاضي يستند في حكمه إلى حجج الخصوم على نحو ما بسمع من الخصمين من قوة الحجة و بيان البرهان, فإذا اجتهد و اخطأ فلا إثم عليه و إنما يؤجر حسب الحديث

6.    أن حكم الحاكم لا لا يحل الحرام و لا يحرم الحلال , فالمدعي الذي يكسب القضية بباطله, لا يرتفع عنه الاثم بالحكم , فنما يتعلق به باطنا و هو مذهب الجمهور

<span lang="EN-US" style="Times New Roman" "="">7.  في الحديث دليل على عظم اثم من خاصم في باطل حتى صار في الظاهر حقا, فلا يحل له تناوله في الباطن