الطهارة (المائدة:7

الطهارة

 المائدة الأية: 7

يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولـكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون

من تفسير الطبري

قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة} يعني بذلك جل ثناؤه: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة وأنتم على غير طهر الصلاة، فاغسلوا وجوهكم بالماء، وأيديكم إلى المرافق.ثم اختلف في قوله: {إذا قمتم إلى الصلاة} أمراد به كل حال قام إليها، أو بعضها؟ وأي أحوال القيام إليها؟ فقال بعضهم أنه معني به بعض أحوال القيام إليها دون كل الأحوال، وأن الحال التي عنى بها حال القيام إليها على غير طهر. سئل عكرمة عن قول الله : {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق} فكل ساعة يتوضأ؟ فقال: قال ابن عباس: لا وضوء إلا من حدث.عن عكرمة، قال: كان سعد بن أبي وقاص يصلي الصلوات بوضوء واحد. عن عكرمة، قال: كان سعد بن أبي وقاص يقول: صل بطهورك ما لم تحدث..

وقال آخرون: بل ذلك معنى به كل حال قيام المرء إلى صلاته أن يجدد لها طهرا. عن مسعود بن علي الشيباني، قال: سمعت عكرمة يقول: كان علي رضي الله عنه يتوضأ عند كل صلاة، ويقرأ هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} ... و عن ابن سيرين: أن الخلفاء كانوا يتوضئون لكل صلاة.وعن أنس، قال: توضأ عمر بن الخطاب وضوءا فيه تجوز خفيفا، فقال: هذا وضوء من لم يحدث.و عن النزال، قال: رأيت عليا صلى الظهر ثم قعد للناس في الرحبة، ثم أتي بماء فغسل وجهه ويديه، ثم مسح برأسه ورجليه، وقال: هذا وضوء من لم يحدث..وقال آخرون: بل كان هذا آمرا من الله عز ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به أن يتوضئوا لكل صلاة، ثم نسخ ذلك بالتخفيف. عن مازن بني النجار، قال لعبيد الله بن عبد الله بن عمر: أخبرني عن وضوء عبد الله لكل صلاة، طاهرا كان أو غير طاهر، عمن هو؟ قال: حدثتنيه أسماء ابنة زيد بن الخطاب، أن عبد الله بن زيد بن حنظلة بن أبي عامر الغسيل حدثها: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء عند كل صلاة، فشق ذلك عليه، فأمر بالسواك، ورفع عنه الوضوء إلا من حدث. فكان عبد الله يرى أن به قوة عليه، فكان يتوضأ وعن سليمان بن بريدة، عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة، فلما كان عام الفتح، صلى الصلوات بوضوء واحد، ومسح على خفيه، فقال عمر: إنك فعلت شيئا لم تكن تفعله ! قال: "عمدا فعلته " و عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء بوضوء واحد .قال الطبري:أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يفعل من ذلك كان على ما وصفنا من إيثاره فعل ما ندبه الله عز ذكره إلى فعله وندب إليه عباده المؤمنين بقوله: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق} ... الآية، وأن تركه في ذلك الحال التي تركه كان ترخيصا لأمته وإعلاما منه لهم أن ذلك غير واجب ولا لازم له ولا لهم، إلا من حدث يوجب نقض الطهر. عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بقعب صغير، فتوضأ. قال: قلت لأنس: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة؟ قال: نعم. قلت: فأنتم؟ قال: كنا نصلي الصلوات بوضوء واحد.

قوله تعالى: {فاغسلوا وجوهكم} اختلف أهل التأويل في حد الوجه الذي أمر الله بغسله، القائم إلى الصلاة بقوله: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} فقال بعضهم: هو ما ظهر من بشرة الإنسان من قصاص صلى الله عليه وسلم شعر رأسه، منحدرا إلى منقطع ذقنه طولا، وما بين الأذنين عرضا. قالوا: فأما الأذن وما بطن من داخل الفم والأنف والعين فليس من الوجه ولا غيره، ولا أحب غسل ذلك ولا غسل شيء منه في الوضوء. قالوا: وأما ما غطاه الشعر منه كالذقن الذي غطاء شعر اللحية والصدغين اللذين قد غطاهما عذر اللحية، فإن إمرار الماء على ما على ذلك من الشعر مجزئ عن غسل ما بطن منه من بشرة الوجه، لأن الوجه عندهم هو ما ظهر لعين الناظر من ذلك فقابلها دون غيره. عن الحسن أنه كان إذا توضأ لم يبلغ الماء في أصول لحيته. عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لولا التلمظ في الصلاة ما مضمضت.وسئل عطاء، عن رجل صلى ولم يمضمض قال: ما لم يسم في الكتاب يجزئه. عن ابن عمر، قال: الأذنان من الرأس، فإذا مسحت الرأس فامسحهما..و عن ابن عباس، قال: الأذنان من الرأس. عن أبي أمامة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الأذنان من الرأس ".

وقال آخرون: الوجه: كل ما دون منابت شعر الرأس إلى منقطع الذقن طولا، ومن الأذن إلى الأذن عرضا، ما ظهر من ذلك لعين الناظر، وما بطن منه من منابت شعر اللحية النابت على الذقن وعلى العارضين، وما كان منه داخل الفم والأنف، وما أقبل من الأذنين على الوجه. كل ذلك عندهم من الوجه الذي أمر الله بغسله بقوله: {فاغسلوا وجوهكم} وقالوا: إن ترك شيئا من ذلك المتوضئ فلم يغسله لم تجزه صلاته بوضوئه ذلك. عن نافع: أن ابن عمر كان يبل أصول شعر لحيته، ويغلغل بيده في أصول شعرها حتى تكثر القطرات منها. عن سعيد بن جبير، قال: ما بال اللحية تغسل قبل أن تنبت فإذا نبتت لم تغسل؟عن انس بن مالك، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فخلل لحيته، فقلت: لم تفعل هذا يا نبي الله؟ قال: "أمرني بذلك ربي "عن ابن عباس قال: قال علي بن أبي طالب: ألا أتوضأ لكم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: قلنا: نعم. فتوضأ، فلما غسل وجهه، ألقم إبهاميه ما أقبل من أذنيه، قال: ثم لما مسح برأسه مسح أذنيه من ظهورهما

قال الإمام الطبري وأولى الأقوال بالصواب في ذلك عندنا قول من قال: الوجه الذي أمر الله جل ذكره بغسله القائم إلى صلاته: كل ما انحدر عن منابت شعر الرأس إلى منقطع الذقن طولا، وما بين الأذنين عرضا مما هو ظاهر لعين الناظر، دون ما بطن من الفم والأنف والعين، ودون ما غطاه شعر اللحية والعارضين والشاربين فستره عن أبصار الناظرين، ودون الأذنين.وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب وإن كان ما تحت شعر اللحية والشاربين قد كان وجها يجب غسله قبل نبات الشعر الساتر عن أعين الناظرين على القائم إلى صلاته، لإجماع جميعهم على أن العينين من الوجه، ثم هم مع إجماعهم على ذلك مجمعون على أن غسل ما علاهما من أجفانهما دون إيصال الماء إلى ما تحت الأجفان منهما مجزئ؛ فإذا كان ذلك منهم إجماعا بتوقيف الرسول صلى الله عليه وسلم أمته على ذلك، فنظير ذلك كل ما علاه شيء من مواضع الوضوء من جسد ابن آدم من نفس خلقة ساتره لا يصل الماء إليه إلا بكلفة ومؤنة وعلاج، قياسا لما ذكرنا من حكم العينين في ذلك. فإذا كان ذلك كذلك، فلا شك أن مثل العينين في مؤنة إيصال الماء إليهما عند الوضوء ما بطن من الأنف والفم وشعر اللحية والصدغين والشاربين، لأن كل ذلك لا يصل الماء إليه إلا بعلاج لإيصال الماء إليه نحو كلفة علاج الحدقتين لإيصال الماء إليهما أو أشد. وإذا كان ذلك كذلك، كان بينا أن غسل من غسل من الصحابة والتابعين ما تحت منابت شعر اللحية والعارضين والشاربين وما بطن من الأنف والفم، إنما كان إيثارا منه لأشق الأمرين عليه من غسل ذلك وترك غسله، كما أثر ابن عمر غسل ما تحت أجفان العينين بالماء بصبه الماء في ذلك، لا على أن ذلك كان عليه عنده فرضا واجبا. فأما من ظن أن ذلك من فعلهم كان على وجه الإيجاب والفرض، فإنه خالف في ذلك بقوله منهاجهم وأغفل سبيل القياس، لأن القياس هو ما وصفنا من تمثيل المختلف فيه من ذلك بالأصل المجمع عليه من حكم العينين، وأن لا خبر عن واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب على تارك إيصال الماء في وضوئه إلى أصول شعر لحيته وعارضيه، وتارك المضمضة والاستنشاق إعادة صلاته إذا صلى بطهره ذلك، ففي ذلك أوضح الدليل على صحة ما قلنا من أن فعلهم ما فعلوا من ذلك كان إيثارا منهم لأفضل الفعلين من الترك والغسل.فإن ظن ظان أن في الأخبار التي رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "إذا توضأ أحدكم فليستنثر " دليلا على وجوب الاستنثار، فإن في إجماع الحجة على أن ذلك غير فرض يجب على من تركه إعادة الصلاة التي صلاها قبل غسله، ما يغني عن أكثار القول فيه.

قوله تعالى: {وأيديكم إلى المرافق} اختلف أهل التأويل في المرافق، هل هي من اليد الواجب غسلها أم لا؟ بعد إجماع جميعهم على أن غسل اليد إليها واجب. فقال مالك بن أنس وسئل عن قول الله : {فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق} أترى أن يخلف المرفقين في الوضوء؟ قال: الذي أمر به أن يبلغ "المرفقين " ، قال تبارك وتعالى: {فاغسلوا وجوهكم} فذهب هذا يغسل خلفه ! فقيل له: فإنما يغسل إلى المرفقين والكعبين لا يجاوزهما؟ فقال: لا أدري ما لا يجاوزهما؛ أما الذي أمر به أن يبلغ به فهذا: إلى المرفقين والكعبين. وقال الشافعي: لم أعلم مخالفا في أن المرافق فيما يغسل كانه يذهب إلى أن معناها: {فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى} أن تغسل {المرافق} وقال آخرون: إنما أوجب الله بقوله: {وأيديكم إلى المرافق} غسل اليدين إلى المرافق، فالمرفقان غاية لما أوجب الله غسله من آخر اليد، والغاية غير داخلة في الحد، كما غير داخل الليل فيما أوجب الله تعالى على عباده من الصوم بقوله: {ثم أتموا الصيام إلى الليل} لأن الليل غاية لصوم الصائم، إذا بلغه فقد قضى ما عليه..والصواب من القول في ذلك عندنا: أن غسل اليدين إلى المرفقين من الفرض الذي إن تركه أو شيئا منه تارك، لم تجزه الصلاة مع تركه غسله. فأما المرفقان وما وراءهما، فإن غسل ذلك من الندب الذي ندب إليه صلى الله عليه وسلم أمته بقوله: "أمتي الغر المحجلون من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل " فلا تفسد صلاة تارك غسلهما وغسل ما وراءهما،

قوله تعالى: {وامسحوا برؤوسكم} اختلف أهل التأويل في صفة المسح الذي أمر الله به بقوله: {وامسحوا برؤوسكم} فقال بعضهم: وامسحوا بما بدا لكم أن تمسحوا به من رؤوسكم بالماء إذا قمتم إلى الصلاة. عن نافع: أن ابن عمر كان يضع بطن كفيه على الماء ثم لا ينفضهما ثم يمسح بهما ما بين قرنيه إلى الجبين واحدة، ثم لا يزيد عليها في كل ذلك مسحة واحدة، مقبلة من الجبين إلى القرن...وقال آخرون: معنى ذلك: فامسحوا بجميع رؤوسكم. قالوا: إن لم يمسح بجميع رأسه بالماء لم تجزه الصلاة بوضوئه ذلك. عن أشهب، قال: قال مالك: من مسح بعض رأسه ولم يعم أعاد الصلاة بمنزلة من غسل بعض وجهه أو بعض ذراعه. قال: وسئل مالك عن مسح الرأس، قال: يبدأ من مقدم وجهه، فيدير يديه إلى قفاه، ثم يردهما إلى حيث بدأ منه.وقال آخرون: لا يجزئ مسح الرأس بأقل من ثلاث أصابع، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد.والصواب من القول في ذلك عندنا، أن الله جل ثناؤه أمر بالمسح برأسه القائم إلى صلاته مع سائر ما أمره بغسله معه أو مسحه، ولم يحد ذلك بحد لا يجوز التقصير عنه ولا يجاوزه. وإذ كان ذلك كذلك، فما مسح به المتوضئ من رأسه فاستحق بمسحه ذلك أن يقال: مسح برأسه، فقد أدى ما فرض الله عليه من مسح ذلك لدخوله فيما لزمه اسم ما مسح برأسه إذا قام إلى صلاته.. والرأس الذي أمر الله جل وعز بالمسح بقوله به: {وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} هو منابت شعر الرأس دون ما جاوز ذلك إلى القفا مما استدبر، ودون ما انحدر عن ذلك مما استقبل من قبل وجهه إلى الجبهة..

قوله تعالى: {وأرجلكم إلى الكعبين} اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأه جماعة من قراء الحجاز والعراق: {وأرجلكم إلى الكعبين} نصبا. فتأويله: إذا قمتم إلى الصلاة، فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق، وأرجلكم إلى الكعبين، وامسحوا برؤوسكم. وإذا قرئ كذلك كان من المؤخر الذي معناه التقديم، وتكون "الأرجل " منصوبة، عطفا على "الأيدي " . وتأول قارئو ذلك كذلك، أن الله جل ثناؤه إنما أمر عباده بغسل الأرجل دون المسح بها. أشهب، قال: سئل مالك عن قول الله : {وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} أهي "أرجلكم " أو "أرجلكم " ؟ فقال: إنما هو الغسل وليس بالمسح، لا تمسح الأرجل، إنما تعسل. قيل له: أفرأيت من مسح أيحزيه ذلك؟ قال: لا.

وقرأ آخرون من قراء الحجاز والعراق: "وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم " بخفض الأرجل. وتأول قارئو ذلك كذلك أن الله إنما أمر عباده بمسح الأرجل في الوضوء دون غسلها، وجعلوا الأرجل عطفا على الرأس، فخفضوها لذلك. ، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: الوضوء غسلتان ومسحتان. عن أنس، قال: نزل القرآن بالمسح، والسنة الغسل.

والصواب من القول عندنا في ذلك، أن الله أمر بعموم مسح الرجلين بالماء في الوضوء، كما أمر بعموم مسح الوجه بالتراب في التيمم، وإذا فعل ذلك بهما المتوضئ كان مستحقا اسم ماسح غاسل، لأن غسلهما إمرار الماء عليهما أو إصابتهما بالماء. ومسحهما: إمرار اليد أو ما قام مقام اليد عليهما. فإذا فعل ذلك بهما فاعل فهو غاسل ماسح، ولذلك من احتمال المسح المعنيين اللذين وصفت من العموم والخصوص اللذين. أحدهما مسح ببعض والآخر مسع بالجميع اختلفت قراءة القراء في قوله: {وأرجلكم} فنصبها بعضهم توجيها منه ذلك إلى أن الفرض فيهما الغسل إنكارا منه. المسح عليهما مع تظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعموم مسحهما بالماء، وخفضها بعضهم توجيها منه ذلك إلى أن الفرض فيهما المسح. ولما قلنا في تأويل ذلك إنه معني به عموم مسح الرجلين بالماء كره من كره للمتوضئ الاجتزاء بإدخال رجليه في الماء دون مسحهما بيده، أو بما قام مقام اليد توجيها منه قوله: "وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين " إلى مسح جميعهما عاما باليد، أو بما قام مقام اليد دون بعضهما مع غسلهما بالماء. ، ذكر بعض الأخبار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما عن محمد بن زياد، قال: كان أبو هريرة يمر ونحن نتوضأ من المطهرة، فيقول: أسبغوا الوضوء ! اسبغوا الوضوء ! قال أبو القاسم: "ويل للعراقيب من النار " عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحوه، إلا أنه قال: "ويل للأعقاب من النار "

قال أشهب، قال مالك: الكعب الذي يجب الوضوء إليه، هو الكعب الملتصق بالساق المحاذي العقب، وليس بالظاهر في ظاهر القدم.: قال الشافعي: لم أعلم مخالفا في أن الكعبين اللذين ذكرهما الله في كتابه في الوضوء هما الناتئان وهما مجمع فصل الساق والقدم.والصواب من القول في ذلك أن الكعبين هما العظمان اللذان في مفصل الساق والقدم تسميهما العرب المنجمين..واختلف أهل العلم في وجوب غسلهما في الوضوء وفي الحد الذي ينبغي أن يبلغ بالغسل إليه من الرجلين نحو اختلافهم في وجوب غسل المرفقين، وفي الحد الذي ينبغي أن يبلغ بالغسل إليه من اليدين.

قوله تعالى: {وإن كنتم جنبا فاطهروا} يعني بقوله جل ثناؤه: {وإن كنتم جنبا} وإن كنتم أصابتكم جنابة قبل أن تقوموا إلى صلاتكم فقمتم إليها فاطهروا، يقول: فتطهروا بالاغتسال منها قبل دخولكم في صلاتكم التي قمتم إليها. ووحد الجنب وهو خبر عن الجميع، لأنه اسم خرج مخرج الفعل، كما قيل: وجل عدل وقوم عدل، ورجل زور وقوم زور، وما أشبه ذلك لفظ الواحد والجميع والاثنين والذكر والأنثى فيه واحد، يقال منه: أجنب الرجل وجنب واجتنب والفعل الجنابة والإجناب، وقد سمع في جمعه أجناب، وليس ذلك بالمستفيض الفاشي في كلام العرب، بل الفصيح من كلامهم ما جاء به القرآن.

. قوله تعالى: {وإن كنتم مرضى} يعني بذلك جل ثناؤه: وإن كنتم جرحى أو مجدرين وأنتم جنب.. وأما قوله: {أو على سفر} فإنه يقول: وإن كنتم مسافرين وأنتم جنب. {أو جاء أحد منكم من الغائط} يقول: أو جاء أحدكم من الغائط بعد قضاء حاجته فيه وهو مسافر؛ وإنما عنى بذكر مجيئه منه قضاء حاجته فيه. {أو لامستم النساء} يقول: أو جامعتم النساء وأنتم مسافرون..فإن قال قائل: وما وجه تكرير قوله: {أو لامستم النساء} إن كان معنى اللمس الجماع، وقد مضى ذكر الواجب عليه بقوله: {وإن كنتم جنبا فاطهروا} ؟ قيل: وجه تكرير ذلك أن المعنى الذي ذكره تعالى من فرضه بقوله: {وإذ كنتم جنبا فاطهروا} غير المعنى الذي ألزمه بقوله: {أو لامستم النساء} وذلك أنه بين حكمه في قوله: {وإذ كنتم جنبا فاطهروا} إذا كان له السبيل إلى الماء الذي يطهره فرض عليه الاغتسال به ثم بين حكمه إذا أعوزه الماء فلم يحد إليه السبيل وهو مسافر غير مريض مقيم، فأعلمه أن التيمم بالصعيد له حينئذ الطهور..

قوله تعالى: {فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا} يعني جل ثناؤه بقوله: {فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا} فإن لم تجدوا أيها المؤمنون إذا قمتم إلى الصلاة وأنتم مرضى مقيمون، أو على سفر أصحاء، أو قد جاء أحد منكم من قضاء حاجته، أو جامع أهله في سفره ماء فتيمموا صعيدا طيبا، يقول: فتعمدوا واقصدوا وجه الأرض طيبا، يعني طاهرا نظيفا غير قذر ولا نجس، جائزا لكم حلالا. {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} يقول: فاضربوا بأيديكم الصعيد الذي تيممتموه وتعمدتموه بأيديكم، فامسحوا بوجوهكم وأيديكم مما علق بأيديكم منه، يعني: من الصعيد الذي ضربتموه بأيديكم من ترابه وغباره.

قوله تعالى: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج} يعني جل ثناؤه :ما يريد الله بما فرض عليكم من الوضوء إذا قمتم إلى صلاتكم، والغسل من جنابتكم والتيمم صعيدا طيبا عند عدمكم الماء، {ليجعل عليكم من حرج} ليلزمكم في دينكم من ضيق، ولا ليعنتكم فيه. وبما قلنا في معنى الحرج، عن عكرمة في قوله: {من حرج} قالا: من ضيق. عن مجاهد: {من حرج} من ضيق.

قوله تعالى: {ولكن يريد ليطهركم} يعني جل ثناؤه بقوله: {ولكن يريد ليطهركم} ولكن الله يريد أن يطهركم بما فرض عليكم من الوضوء من الأحداث والغسل من الجنابة، والتيمم عند عدم الماء، فتنظفوا وتطهروا بذلك أجسامكم من الذنوب. عن أبي إمامة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الوضوء يكفر ما قبله، ثم تصير الصلاة نافلة " . قال: قلت: أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، لا مرة، ولا مرتين، ولا ثلاث، ولا أربع، ولا خمس. عن أبي إمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم قام إلى الصلاة، خرجت ذنوبه من سمعه وبصره ويديه عن حمران مولى عثمان، قال: أتيت عثمان بن عفان بوضوء وهو قاعد، فتوضأ ثلاثا ثلاثا، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ كوضوئي هذا، ثم قال: "من توضأ وضوئي هذا كان من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وكانت خطاه إلى المساجد نافلة " .وقوله: {وليتم نعمته عليكم} فإنه يقول: ويريد ربكم مع تطهيركم من ذنوبكم بطاعتكم إياه فيما فرض عليكم من الوضوء والغسل إذا قمتم إلى الصلاة بالماء إن وجدتموه، وتيممكم إذا لم تجدوه، أن يتم نعمته عليكم بإباحته لكم التيمم، وتصييره لكم الصعيد الطيب طهورا، رخصة منه لكم في ذلك مع سائر نعمه التي أنعم بها عليكم أيها المؤمنون. {لعلكم تشكرون} يقول: تشكرون الله على نعمه التي أنعمها عليكم بطاعتكم إياه فيما أمركم ونهاكم.