الوقــف

الوقــف

   " عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:أصاب عمر بخيبر أرضا؛فأتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال:إني أصبت أرضا لم أصب مالا قط أنفس عندي منه,فكيف تأمرني به؟ فقال:إن شئت حبست أصلها و تصدقت بها. فتصدق عمر أنه لا يباع أصلها و لا يوهب و لا يورث و تصدق بها في الفقراء و القربى و الرقاب و في سبيل الله و الضيف و ابن السبيل.لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف أو يطعم صديقا غير متمول فيه"  رواه البخاري (كتاب الوصايا).

ما يستفاد من النص

1.   مشروعية تحبيس أصل المال و التصدق بمنفعته.

2.  النهي عن التصرف في المال تصرفا يزيل عنه صفة الوقف.

3. جواز تخصيص الموقوف عليه

4.  مشروعية أخذ راعي المال الموقوف أجرة مقابل عمله بالمعروف.

5. إشارة الحديث إلى دور الوقف الاجتماعي و الاقتصادي

6. احتواء الحديث على أركان الوقف (الواقف-الموقوف- الموقوف عليه-الصيغة)

 

التحليل:

     تعريف الوقف لغة و اصطلاحا

    الوقف لغة هو المنع و الحبس عن التصرف.و شاع إطلاق الوقف على اسم المفعول وهو     الشيء الموقوف. و يراد به التسبيل أيضا و هو كل شيء وقفه صاحبه لوجه الله.

أما اصطلاحا: فقد عرفه ابن عرفة بقوله"هو إعطاء منفعة شيء مدة وجوده لازما بقاؤه في ملك معطيه  و لو تقديرا ".

ما يخرج من التعريف فلا يعتبر وقفا

1- يخرج بقيد "إعطاء منفعة " إعطاء الملك والذات فلا يسمى وقفا وهو أنواع:صدقة- هبة- نحلة- حباء- صلة- هدية- عرية.

2- يخرج بقيد "مدة وجوده لازما بقاؤه في ملك معطيه " إعطاء المنافع بصفة مؤقتة ثم يعود بعد ذلك إلى صاحبه , فلا يدخل في الوقف العارية و العمرى و الإسكان     و الإرفاق و المنحة

حكم الوقف و أصله الشرعي
الوقف سنة في الإسلام و هو من التبرعات المندوبة و أصله الشرعي السنة القولية   و الفعلية و التقريرية و فعل الصحابة

فمن السنة القولية قول الرسول صلى الله عليه و سلم في حديث ابن عمر: "إن شئت حبست أصلها و تصدقت بها. فتصدق عمر أنه لا يباع أصلها و لا يوهب و لا يورث" كما يدخل في مطلق الصدقة الجارية في قوله صلى الله عليه و سلم" إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ( صحيح مسلم كتاب الوصية ) . و ثبت أن كثيرا من الصحابة حبسوا منهم عمر(حبس أرضه بخيبر) و عثمان ( حبس بئر رومة) و منهم علي و طلحة و الزبير و زيد و غيرهم رضي الله عنهم أجمعين

لزومه: يلزم بالقول عند الأئمة الثلاثة و خالفهم أبو حنيفة في غير تحبيس المسجد و القناطر و الطرق و المقابر, و عنده أنه يلزم بحكم الحاكم و هو قبل الحكم على ملك الواقف و لو بالقبض, و لو الرجوع قبل ذلك بالبيع و الهبة.

حكمة مشروعيته ودوره الاجتماعي و الاقتصادي

من حكمة مشروعيته

·        التشجيع على أعمال البر و الإحسان

·        إنجاز المشاريع التي يعود نفعها على أفراد المجتمع الإسلامي

·        تدارك ما فات للإنسان  من أعمال الخير لتكثير الأجر و الثواب

من دوره الاجتماعي

·        مساهمة الوقف على تحقيق الاستقرار الاجتماعي بالتعليم و العلاج و المتطلبات الأساسة

·        تحقيق مبدأ التضامن الاجتماعي  و شيوع روح التراحم و التواد و حمايته من الأمراض الاجتماعية

·        الاهتمام بالتنمية البشرية من خلال بناء الإنسان روحيا وجسميا و عقليا بتوفير المشاريع الكفيلة بتحقيق ذلك ( المساجد – المعاهد – المراكز الصحية - الزوايا ...)

·        تعزيز روح الانتماء المجتمعي بين عند أغنياء المسلمين و فقرائهم

·        تقوية الجانب الأخلاقي و السلوكي في المجتمع من خلال التضييق على منابع الانحراف من ذلك الوقف على بعض النساء المطلقات أو المهجورات و الإنفاق على السجناء وأسرهم و تعليمهم و الرعاية بهم  من أموال الوقف

  من دوره الاقتصادي

·        دوام مال الوقف في التنمية الاقتصادية بحفظ الأصول المحبسة من التلاشي

·        المساهمة على توزيع جانب من المال على الطبقات المحتاجة الذي ساعد على تدوير رأس المال و إنعاش حركة التجارة و تشجيع الاستثمارات

·        المساهمة في زياد معدلات الإنتاج و على توافر فرص عمل بإنشاء المدارس و المعاهد و المستشفيات ودور الأيتام فتنخفض معدلات الإنفاق العام

أركان الوقف

الركن الأول: الواقف: و هو المالك لما حبسه و يشترط فيه أن يكون: 1.عقلا 2.بالغا 3.حرا 4.سالما من الدين المستغرق 5. رشيدا 6. صحيحا 7. مالكا لما حبسه, فلا يصح من محجور لجنون أو صغر: مميزا كان الصغير أو غير مميز, و لو بإذن وليه بخلاف تحبيس المفلس و المريض فهو صحيح, و للورثة الخيار في رد ما زاد على الثلث فيعامل معاملة الموصي, و للغرماء الخيار في رد الجميع أو إمضائه

الركن الثاني: الموقوف عليه: و هو المستحق لصرف المنافع عليه؛ معينا كان أو غير معين, حقيقة كان ( كزيد و الفقراء) أو حكما ( كقنطرة و مسجد ) و يشترط فيه كونه جهة بر و خير تحقق الغاية من الوقف كالفقراء و المجاهدين و دور العلم و المصحات, بخلاف مما لا يجوز صرف الوقف فيه شرعا فلا يستحق الوقف عليه مثل الكانسة و شراب الخمر و القتلة و الملحدين من أهل المعاصي لأن فيه إعانة على الإثم والعدوان 

ويصح التحبيس  على المسلم و الكافر غير المحارب و الكبير و الصغير و على الجنين في بطن أمه و من سيولد في المستقبل. ويلزم الوقف بمجرد وقوعه في غير الجنين و من  سيولد في المستقبل و لا رجوع فيه للواقف أما الوقف في الأخيرين فلا يلزم إلا بولادتهما حيين . وتكون الغلة للواقف أو ورثته قبل ذلك وله الرجوع قبل ولادة الموقوف عليه , ويبطل الحبس بسقوط الجنين ميتا أو اليأس من ولادة من سيولد فيعود إرثا إلا أن يكون حبسه على من سيولد ثم على الفقراء بعد وفاة الولد  فيكون لهم .

و يشترط في الموقوف عليه قبول الوقف إن كان له أهلية لذلك كالمعين للرشيد و لا بد من قبوله قبل حدوث مانع ولو بعد طول إذا لم يرفض أولا , و الغلة له من يوم التحبيس

فان قبل بعد رفضه أولا لم ينفعه قبوله ودفع الموقوف لغيره لمن يستحق ذلك الاجتهاد القاضي و لا يرجع للواقف إلا إذا عينه بذلك أما المحجور عليه فانه ينوب عنه وليه في القبول وليس له الرفض .

الركن الثالث : الموقوف:  وهو ما أعطيت منفعته مدة وجوده ويشترط فيه أن يكون 1- متمولا 2- ينتفع به انتفاعا شرعيا 3- بقاء ذاته . فلا يصح تحبيس ما لا منفعة فيه أو ينتفع به انتفاعا غير شرعي مقل آلات اللهو و الخمر كم لا يصح تحبيس ما يتلف بسبب انتفاع به كالمأكولات في غير السلف و ما يصرع إليه من المشمومات كالورود .

و الموقوف على خمسة أنواع 1- الأصول 2- و حكمه الجواز اتفاقا لحديث الباب

2- العين المسكوكة و ما في معناها : وحكمه الجواز في قصد إسلافها و رد مثلها و إلا منع إذا كان المقصود منه تحبيس ذاتها أو كانت أثر لا تروج 3- الطعام و له الحكم : العين يجوز تحبيسه لقصد إسلافه و يمنع بقصد حبسه لأنه يؤدي إلى فساده و ضياعه و ذكر ابن عاصم أن منع مطلقا و هو ضعيف 4- الحيوان حكم وقفه : مسألة خلافية و الصواب جوازه في حديث ذلك 5- العروض كالسلاح و الحلي و الكتب و غير ذلك و قد اختلف في حكمه قيل يكره و قيل يمنع و الصواب جوازه

وقف دار السكنى: لوقف دار السكنى شروط ثلاثة :

·        أن يخليها كلها أو جلها من شواغله : فإن بقي ساكنا بها أو ترك أهله أو أمتعته أو أسكن بها غيره على وجه العمرى أو الإسكان بطل الحبس إذا حدث مانع.كما يبطل في الجميع إن أسكن الأكثر و أخلى الأقل. و إن أسكن النصف و أخلى النصف فكل على حكمه. و يجوز تحبيس الدار و استثناء بيت يسكنه طول حياته إذا كانت قيمته ثلث الدار فأٌٌقل.

·        أن تشهد البينة بمعاينتها خالية منه و من أمتعته : و ذلك بإشهاد عدلين و إن لم يسكنها المحبس عليه.

·        أن تستمر خالية سنة فأكثر لا يعود إليها : فإن عاد لسكناها قبل العام بكراء أو غيره بطل الوقف إذا حدث مانع إلا أن يؤويه المحبس عليه من تشرد أو مرض فلا يبطل.و إن رجع بعد العام بكراء أو غيره صح الحبس كان المحبس عليهم كبارا أو صغارا خلافا لبن عاصم في نظمه الذي فرق بين الصغير و الكبير, و هو ضعيف.

الركن الرابع" الصيغة: و هي كل ما دل على الوقف لفضا أو فعلا ( كأن يبني مسجدا ثم يأذن للناس الصلاة فيه) أو إشارة مفهمة صادر عن غير القادر عن الكتابة. و اللفظ الدال على الوقف نوعان:

الصريح و هو ما دل دلالة لا تحتمل إلا القف, كوقفت و حبست و سبلت

الكناية ( غير صريح): ما لا يدل دلالة صريحة على الوقف لكن وجدت قرينة صرفته إليه, كقوله تصدقت نايا به الوقف أو قرنه بقيد يدل عليه كقوله: تصدقت على فلان على أنه لا يباع و لا يوهب.

ألفاظ الواقف التي فسرها و التي لم يفسرها

إن حبس الواقف على أبناء سماهم بأسماهم فلا يدخل في الوقف إلا من سماهم دون غيرهم , و إن لم يسمهم بأسمائهم دخل الموجودون و من سيجود منه دون من سيوجد من أولادهم.

و إذا أطلق الواقف لفظ الولد من غير تفسير منه و لم يكن عرف باطلاق الولد على الذكر خاصة دخل في الوقف أولاده من الصلب ذكورا و إناثا, و أولاد أولاده ذكورا و إناثا, و لا يدخل أولاد بناته ذكورا و إناثا .سواء حبس على ولده بلفظ المفرد أو بالجمع, بالعطف أو دونه  مثل : " حبست كذا على ولدي أو " حبست كذا على ولدي و ولد ولدي "أو       " حبست كذا على أولادي " أو حبست كذا على أولادي و أولاد أولادي " ففي ذلك كله لا تدخل البنت لعدم التصريح بالأم. فإن صرح بأنثى في وقفه دخل أبناؤها كأن يقول: " حبست على أولادي فلان و فلان و فلانة و أولادهم" أو " حبست على أولادي الذكور و الإناث و أولادهم " ففي ذلك كله يدخل أولاد الأنثى إلى الدرجة التي ينتهي إليها المحبس ثم يخرجون بعد ذلك, و لو قال في حبسه " ما تناسلوا ".

والحكم نفسه فيما سبق إذا أطلق لفظ الابن مفردا أو جمعا, بالعطف أو دونه. و كذا الحبس على العقب, إلا أن المعمول به في العقب دخول ولد البنت إلى الدرجة التي سماها الواقف.

و إذا أطلق الحبس على الذرية فإنه يشمل كل من له عليه ولادة من جهة الأب أو جهة الأم ما تناسلوا

و إذا حبس على بنته و أبنائها الذكور و الإناث دخل أبناؤها الذكور و الإناث ثم أولاد الذكور ذكورا و إناثا, و لا يدخل أبناء بناتها ذكورا و إناثا.

بيع الوقف و تفويته

بيع الوقف

يمنع بيع الموقوف منعا مطلقا: علم المحبس عليه أو لم يعلم. إلا أنه إذا علم أنه حبس يعاقب تعزيرا إلا لعذر فلا يؤدب, و يرد البيع مطلقا و لا يفوت بحال,إلا أن يجعل له البيع في أصل الوقف فله بيعه حينئذ. و الغلة للمشتري قبل الرد إلا أن يشتري عالما أنه حبس, أو يتمادى بعد العلم فإنه يرد الغلة. و يرد مثل الثمار كيلا إن علم, و قيمته إن لم يعلم , و يؤدي كراء الدار أو الأرض, و يرجع المشتري بثمنه على البائع إن كان موسرا, و إن كان معسرا أخذه من غلة الحبس حتى يستوفيه, ,و إن مات المحبس عليه البائع قبل استيفاء الثمن فلا شيء للمشتري, و يدفع الحبس لمن يستحقه بعده .

تعويض الشيء الموقوف

تعويض الأصول كالدور و الأراضي و الشجر و شبه ذلك : لا يجوز بيعها و تعويضها و لو خربت على المشهور, و قيل يجوز بيعها و معاوضتها بغيرها و به العمل بشروط:1. أن يكو الحبس خربا لا نفع فيه أو فيه نفع تافه 2. ألا تكون له غلة يصلح به 3. ألا يوجد من يتطوع بإصلاحه. فإذا توفرت هذه الشروط يباع و يشترى بثمنه مثله و يحبس.

تعويض غير الأصول من عروض و حيوانك يجوز بيعها إن لم يبق فيها نفع فيما حبست فيه؛كالسيف ينكسر و الفرس يهرم و سيارة الإسعاف تتقادم و شبه ذلك, فيباع و يشترى بثمنه مثله إن أمكن, و يستعان في مثله إن لم يمكن, و يحبس الجميع في الغرض نفسه الذي كان محبسا فيه