مدخل للمقاصد الشرعية

مدخل للمقاصد الشرعية

      تمهيد

تتحقق مصالح الناس في هذه الحياة بجلب النفع لهم ودرء الضرر عنهم, و قد دل الحس و المشاهدة أن هذه المصالح تتكون من أمور ضرورية لهم, و أمور حاجية و أمور تحسينية. و بتوفرها تتحقق مصالحهم , و بفقدها يختل نظام حياتهم و تعم فيهم الفوضى و المفاسد و ينالهم الحرج و الضيق ,      و تكون حياتهم مستنكرة في تقدير الشرع  و الفطر السليمة و العقول الراجحة.

تعريف المقاصد: لغة مكان للقصد و غاية القصد و اصطلاحا : الغايات و الحكم التي وضعها الشارع عند كل حكم تحقيقا لمصالح العباد عن طريق جلب المنافع لهم ودرء المفاسد عنهم دنيا و آخرة

المقصد العام من التشريع

المقصد العام للشارع من تشريعه الأحكام تكليفية كانت أو وضعية هو تحقيق مصالح الناس بكفالة ضرورياتهم، وتوفير حاجياتهم وتحسينياتهم و ذلك بجلب النفع لهم و دفع الضرر عنهم, والشارع الإسلامي شرع أحكاماً في مختلف أبواب أعمال الإنسان قصد منها حفظ واحدة من هذه الثلاث لتحقيق أمهات الضروريات والحاجيات والتحسينات للأفراد والجماعات، وما أهمل ضروريا ولا حاجيا ولا تحسينيا من غير أن يشرع حكماً لتحقيقه وحفظه، وما شرع حكماً إلا لإيجاد وحفظ واحد من هذه الثلاثة،

و يجب مراعاة مراتب الأحكام باعتبار مقاصدها على النحو الذي ذكر: فلا يراعى تحسيني إذا كان في مراعاته إخلال بحاجي, و لا يراعى حاجي و لا تحسيني إذا كان في مراعاة أحدهما إخلال بضروري.

و معرف المقصد العام للشارع من تشريع الأحكام و مراتب المصالح المحققة لهذا المقصد من أهم ما يستعان به على فهم نصوصه حق فهمها و تطبيقها على الوقائع و استنباط الحكم فيما لا نص فيه.

ما يدل لهذا المقصد

دل استقراء الأحكام الشرعية الكلية والجزئية في مختلف الوقائع والأبواب، و كذا استقراء العلل والحكم التشريعية التي قرنها الشارع بكثير من الأحكام أن كل حكم في الإسلام إنما شرع لإيجاد و حفظ و حماية أمر من أمور الناس الضرورية أو الحاجية أو التحسينية و التي بواسطتها تتحقق مصالحهم في مختلف مجالات حياتهم من عبادات و معاملات و عادات و عقوبات .

   دل لحفظ الضروري بقوله تعالى في تعليل إيجاب الجهاد: { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ}[البقرة:193]، وقوله في إيجاب القصاص: { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}[البقرة:179]، وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - في تعليل النهي عن بيع التمر قبل أن يبدو صلاحه: ((أرأيت إذا منع الله الثمر بم يأخذ أحدكم مال أخيه))، إلى غير ذلك من العلل التي تدل على قصد الشارع حماية الدين والأنفس والأموال وكل ما هو ضروري للناس

     دل على توفير الأمر الحاجي بما قرنه من العلل والحكم التشريعية، كقوله تعالى: { مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ}[المائدة:6]، وقوله سبحانه:    { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج:78]، وقوله تعالى: { يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة:185]، وقوله: { يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً}[النساء:28]، وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((بعثت بالحنيفة السمحة)).

      و دل الشرع على توفير الأمر التحسيني بالعلل والحكم التي قرنها ببعض أحكامه، كقوله تعالى:    { َلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ}[المائدة:6]، وقول لرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((وإنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق))، وقوله عليه الصلاة والسلام: ((إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا)).

فاستقراء الأحكام الشرعية والعلل والحكم الشرعية في مختلف الأبواب والوقائع ينتج أن الشارع الإسلامي ما قصد من تشريعه الأحكام إلا حفظ ضروريات الناس وحاجيتهم وتحسينياتهم، وهذه هي مصالحهم