هل يتجزأ الإجتهاد

18/03/2012 20:24

الاجتهاد لا يتجزأ

إذا كان المراد يلفظ " الاجتهاد لا يتجزأ" أن أهلية الاجتهاد لا تقبل التجزؤ فهذا صحيح  بمعنى أنه لا يتصور أن يكون العالم مجتهداً في أحكام من الشرع كالطلاق وغير مجتهد في أحكام أخرى كالبيع، أو مجتهد في أحكام العقوبات، دون غيرها، لأن الاجتهاد أهلية وملكة يقتدر بها المجتهد

 

على فهم النصوص واستثمار الأحكام الشرعية منها، واستنباط الحكم فيما لا نص فيهأ و فيه نص ظني. فمن توافرت فيه شروط الاجتهاد وتكونت له هذه الملكة اجتهد في أي باب من أبواب الفقه و مسائله ولا تخص باباً دون باب أو مسألة دون مسألة،
أما إن كان المراد بالاجتهاد لا يتجزأ أن المجتهد لا يصوغ له الاجتهاد في باب من أبواب الفقه أو في مسألة من مسائله حتى يكون ملما بجميع احكام الفقه فإن الأصوليين على  قولين:
المجيزون لتجزؤ الاجتهاد
ذهيوا إلى أن من استأهل للاجتهاد في باب يجوز له الاجتهاد فيه، ولو لم يكن أهلاً للاجتهاد في غيره، و يستدلون لمذهبهم بدليلين:‏
الدليل الأول: أنه قد تتاح للعالم فرصة للعناية ببعض أبواب الفقه، والإحاطة بمآخذ أحكامه، ومعرفة عللها، فيتحقق له مناط الاجتهاد فيه، ومتى تحقق مناط الاجتهاد في باب جاز الاجتهاد فيه.‏
الدليل الثاني: أنه لو لم يتجزأ الاجتهاد، للزم أن يكون كل مجتهد عالماً بجواب كل سؤال عن أية واقعة، مع أن كثيراً من المجتهدين سئلوا عن وقائع عدة فقالوا في بعضها لا ندري، وقد روي عن الإمام مالك رضي الله عنه أنه سئل عن أربعين مسألة، فأجاب عن أربع منها، وقال في الست والثلاثين الباقية: لا أدري.‏
القائلون بعدم تجزؤ الاجتهاد ( الاجتهاد لا يتجزأ
وذهبت طائفة من الأصوليين إلى أن من استأهل للاجتهاد في باب لا يجوز له الاجتهاد فيه، إلا أن يستأهل له في جميع أبواب الفقه،و أن الرجل لا يقال له مجتهـد حتى يستجمع أدلة الفقه بأسرها ،  و يبنون مذهبهم هذا أدلة أظهرها دليلان:‏
الدليل الأول: أن الاجتهاد ملكة راسخة في نفس المجتهد، يقتدر بها على استنباط الأحكام، للوقائع التي تعرض له، أو يستفتى فيها، وهذه الملكة إنما تحصل له من الإحاطة بأدلة الأحكام، ومآخذها، وعللها، فمن تهيأت له هذه الملكة يستطيع الاجتهاد في كل باب، ومن لم تتهيأ له لم يستطع الاجتهاد في شيء من  أحابوا  على قول بعض المجتهدين لا ندري في بعض ما سئلوا عنه، بعض المسائل تتجاذبها وجهات نظر مختلفة، فلا تمكن الفتوى بشيء منها إلا بعد بحثها وتكوين رأي فيها.‏
الدليل الثاني: أن أدلة الأحكام الشرعية في أبواب الفقه المختلفة هي كتلة واحدة متماسكة، يفسر بعضها بعضاً، ويخصص بعضها بعضاً، فلا بد من الإحاطة بها جميعاً، وربما اهتدى العالم إلى حكم في البيع بمآخذ حكم آخر في الإجارة، أو الوصية، أو الهبة.‏
أو كما يقول الشوكاني: (المسألة في فرع من الفقه ربما كان أصلها في فرع آخر منه، فلا يمكن أن يعد الإنسان قد توافرت فيه وسائل الاجتهاد إذا أحاط بأدلة باب، ومآخذ أحكامه، دون بقية الأبواب).‏
الترجيح
أهلية الاجتهاد  لا تقبل التجزؤ أما الاجتهاد بالفعل فيقبله،  و بهذا يكون الراجح هو ما ذهب إليه جمهور العلماء من تجزؤ الاجتهاد، وأن ذلك يشبه في العصر الحاضر ما يعرف بالتخصص الدقيق،و هوما رجحه الدكتور إبراهيم محمد سلقيني: عميد كلية الشريعة- في جامعة دمشق.‏
قال: والحق –فيما أرى والله أعلم- أن أهلية الاجتهاد لا تقبل التجزؤ، أما الاجتهاد بالفعل فيقبله، ذلك لأن أهلية الاجتهاد ملكة تقتضي في المتصف بها أن يكون محيطاً بجميع آيات الأحكام، وأحاديث الأحكام، وفتاوى المجتهدين ومأخذ كل حكم شرعي، وعلته، أما الاجتهاد بالفعل فإنه يتجزأ، بمعنى أن العالم الذي أحاط بالأحكام وأدلتها في جميع أبواب الفقه، وتحققت له ملكته يجوز له أن يتخصص في الاجتهاد في باب أو أكثر دون سائر الأبواب، لأن تخصصه لا يعني أكثر من أن يستثمر ملكته الاجتهادية في بعض أبواب الفقه، دون بعضها الآخر. وهذا لا شيء فيه.‏