تجنب السخرية و اللمز ( الحجرات:13/11

تجنب السخرية و اللمز

الحجرات:11

 أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ11

أسباب النزول

سبب نزول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ)

قال الضحاك: نزلت في وفد بني تميم استهزؤوا بفقراء الصحابة، مثل عمار وخباب وابن فهيرة وبلال وصهيب وسلمان وسالم مولى أبي حذيفة وغيرهم، لما رأوا من رثاثة حالهم، فنزلت في الذين آمنوا منهم. وقال مجاهد: هو سخرية الغني من الفقير. وقال ابن زيد: لا يسخر من ستر الله عليه ذنوبه ممن كشفه الله، فلعل إظهار ذنوبه في الدنيا خير له في الآخرة. وقيل: نزلت في عكرمة بن أبي جهل حين قدم المدينة مسلما، وكان المسلمون إذا رأوه قالوا ابن فرعون هذه الأمة. فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت.

قال المفسرون: ( وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ )نزلت في امرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم سخرتا من أم سلمة، وذلك أنها ربطت خصريها بسبيبة - وهو ثوب أبيض، ومثلها السب - وسدلت طرفيها خلفها فكانت تجرها، فقالت عائشة لحفصة رضي الله عنهما: انظري ما تجر خلفها كأنه لسان كلب، فهذه كانت سخريتهما.

وقال أنس وابن زيد: نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم، عيرن أم سلمة بالقصر. وقيل: نزلت في عائشة، أشارت بيدها إلى أم سلمة، يا نبي الله إنها لقصيرة.

 وقال عكرمة عن ابن عباس: إن صفية بنت حيي بن أخطب أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن النساء يعيرنني، ويقلن لي يا يهودية بنت يهوديين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هلا قلت إن أبي هارون وإن عمي موسى وإن زوجي محمد» . فأنزل الله هذه الآية

سبب نزول( وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ...) :في الترمذي عن أبي جبيرة بن الضحاك قال: كان الرجل منا يكون له الاسمين والثلاثة فيدعي ببعضها فعسى أن يكره، فنزلت هذه الآية: «ولا تنابزوا بالألقاب» . قال هذا حديث حسن. وفي مصنف أبي داود عنه قال: فينا نزلت هذه الآية، في بني سلمة «ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان» قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس منا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يا فلان فيقولون مه يا رسول الله، إنه يغضب من هذا الاسم، فنزلت هذه الآية: «ولا تنابزوا بالألقاب» . فهذا قول. وقول ثان - قال الحسن ومجاهد: كان الرجل يعير بعد إسلامه بكفره يا يهودي يا نصراني، فنزلت. وروي عن قتادة وأبي العالية وعكرمة. وقال قتادة: هو قول الرجل للرجل يا فاسق يا منافق، وقاله مجاهد والحسن أيضا.

المضامين

  1. النهي عن السخرية بالناس باحتقارهم و ازدرائهم واستهزاء بهم
  2. النهي عن اللمز و الهمز بالطعن و العيب بقول او فعل أو إشارة
  3. النهي عن التنابز  بالألقاب التي يكره الشخص سماعها عنه
  4. اعتبار السخرية و اللمز و التنابز بالألقاب من موجبات تعريض النفس للعذاب

تفسير الآية: من تفسير القرطبي بتصرف

قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم» قيل عند الله. وقيل «خيرا منهم» أي معتقدا وأسلم باطنا. والسخرية الاستهزاء. سخرت منه أسخر سخرا «بالتحريك» ومسخرا وسخرا «بالضم» . وحكى أبو زيد سخرت به، وهو أردأ اللغتين. وقال الأخفش: سخرت منه وسخرت به، وضحكت منه وضحكت به، وهزئت منه وهزئت به، كل يقال. و «قوم» في اللغة للمذكرين خاصة. وسموا قوما لأنهم يقومون مع داعيهم في الشدائد. وقيل: إنه جمع قائم، ثم استعمل في كل جماعة وإن لم يكونوا قائمين. وقد يدخل في القوم النساء مجازا،

قوله تعالى: «ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن» أفرد النساء بالذكر لأن السخرية منهن أكثر. وقد قال الله تعالى: «إنا أرسلنا نوحا إلى قومه» «نوج: 1» فشمل الجميع.

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» . وهذا حديث عظيم يترتب عليه ألا يقطع بعيب أحد لما يرى عليه من صور أعمال الطاعة أو المخالفة، فلعل من يحافظ على الأعمال الظاهرة يعلم الله من قلبه وصفا مذموما لا تصح معه تلك الأعمال. ولعل من رأينا عليه تفريطا أو معصية يعلم الله من قلبه وصفا محمودا يغفر له بسببه. فالأعمال أمارات ظنية لا أدلة قطعية. ويترتب عليها عدم الغلو في تعظيم من رأينا عليه أفعالا صالحة، وعدم الاحتقار لمسلم رأينا عليه أفعالا سيئة. بل تحتقر وتذم تلك الحالة السيئة، لا تلك الذات المسيئة.

قوله تعالى: «ولا تلمزوا أنفسكم» اللمز: العيب. وقال الطبري: اللمز باليد والعين واللسان والإشارة. والهمز لا يكون إلا باللسان. وهذه الآية مثل قوله تعالى: «ولا تقتلوا أنفسكم» «النساء: 29» أي لا يقتل بعضكم بعضا، لأن المؤمنين كنفس واحدة، فكأنه بقتل أخيه قاتل نفسه. وكقوله تعالى: «فسلموا على أنفسكم» «النور: 61» يعني يسلم بعضكم على بعض. والمعنى: لا يعب بعضكم بعضا. وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة وسعيد بن جبير: لا يطعن بعضكم على بعض. وقال الضحاك: لا يلعن بعضكم بعضا. وقرئ: «ولا تُلمزوا» بالضم. وفي قوله: «أنفسكم» تنبيه على أن العاقل لا يعيب نفسه، فلا ينبغي أن يعيب غيره لأنه كنفسه، قال صلى الله عليه وسلم: «المؤمنون كجسد واحد إن اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» . وقال بكر بن عبد الله المزني: إذا أردت أن تنظر العيوب جمة فتأمل عيابا، فإنه إنما يعيب الناس بفضل ما فيه من العيب. وقال صلى الله عليه وسلم: «يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه ويدع الجذع في عينه» وقيل: من سعادة المرء أن يشتغل بعيوب نفسه عن عيوب غيره قال الشاعر:.

لا تكشفن مساوي الناس ما ستروا    فيهتك الله سترا عن مساويكا

واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا       ولا تعب أحدا منهم بما فيكا

قوله تعالى: «ولا تنابزوا بالألقاب» النبز «بالتحريك» اللقب، والجمع الأنباز. والنبز «بالتسكين» المصدر، تقول: نبزه ينبزه  نبزا، أي لقبه. وفلان ينبز بالصبيان أي يلقبهم، شدد للكثرة. ويقال النبز و النزب لقب السوء. و تنابزوا بالألقاب: أي لقب بعضهم بعضا

قال الحسن ومجاهد: كان الرجل يعير بعد إسلامه بكفره يا يهودي يا نصراني، فنزلت. وروي عن قتادة وأبي العالية وعكرمة. وقال قتادة: هو قول الرجل للرجل يا فاسق يا منافق، وقاله مجاهد والحسن أيضا. «بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان» أي بئس أن يسمى الرجل كافرا أو زانيا بعد إسلامه وتوبته، قال ابن زيد. وقيل: المعنى أن من لقب أخاه أو سخر منه فهو فاسق. وفي الصحيح «من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه» . فمن فعل ما نهى الله عنه من السخرية والهمز والنبز فذلك فسوق وذلك لا يجوز. وقد روي أن أبا ذر رضي الله عنه كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فنازعه رجل فقال له أبو ذر: يا ابن اليهودية فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما ترى ها هنا أحمر وأسود ما أنت بأفضل منه» يعني بالتقوى، ونزلت: «ولا تنابزوا بالألقاب» . وقال ابن عباس: التنابز بالألقاب أن يكون الرجل قد عمل السيئات ثم تاب، فنهى الله أن يعير بما سلف. يدل عليه ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من عير مؤمنا بذنب تاب منه كان حقا على الله أن يبتليه به ويفضحه فيه في الدنيا والآخرة» .

وقع من ذلك مستثني من غلب عليه الاستعمال كالأعرج والأحدب ولم يكن له فيه كسب يجد في نفسه منه عليه، فجوزته الأمة وأتفق على قول أهل الملة والذي يضبط هذا كله: أن كل ما يكره الإنسان إذا نودي به فلا يجوز لأجل الأذية. وعلى هذا المعنى ترجم البخاري رحمه الله في «كتاب الأدب» من الجامع الصحيح. في «باب ما يجوز من ذكر الناس نحو قولهم الطويل والقصير لا يراد به شين الرجل» قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما يقول ذو اليدين» قال أبو عبد الله بن خويز منداد: تضمنت الآية المنع من تلقيب الإنسان بما يكره، ويجوز تلقيبه بما يحب، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لقب عمر بالفاروق، وأبا بكر بالصديق، وعثمان بذي النورين، وخزيمة بذي الشهادتين، وأبا هريرة بذي الشمالين وبذي اليدين، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم «من حق المؤمن على المؤمن أن يسميه بأحب أسمائه إليه» . ولهذا كانت التكنية من السنة والأدب الحسن،. قال الماوردي: فأما مستحب الألقاب ومستحسنها فلا يكره. وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم عددا من أصحابه بأوصاف صارت لهم من أجل الألقاب. وأما ما يكون ظاهرها الكراهة إذا أريد بها الصفة لا العيب فذلك كثير. وقد سئل عبد الله بن المبارك عن الرجل يقول: حُميد الطويل، وسليمان الأعمش، وحُميد الأعرج، ومروان الأصغر، فقال: إذا أردت صفته ولم ترد عيبه فلا بأس به.

قوله تعالى: «ومن لم يتب» أي عن هذه الألقاب التي يتأذى بها السامعون. «فأولئك هم الظالمون» لأنفسهم بارتكاب هذه المناهي.

الأحكام

·         تحريم السخرية و اللمز و التنابز بالألقاب

·         اعتبار فعل ذلك فسوقا و ظلما موجبا للعقاب إن لم يتب فاعله

·         احتمال كون المسخور منه و الملموز و الملقب خيرا ممن عابه

   .   استثاء التنابز بالألقاب ما يكون ظاهرها الكراهة إذا أريد بها الصفة لا العيب المكروه ممن غلب عليه اللقب في الاستعمال و الشهرة فلم يعد يعرف إلا بها كالأعرج و الأعمش

   . عدم كراهة مستحب الألقاب ومستحسنها فيه جائز التنابز بها كالصديق لأبي بكر و الفاروق لعمر و أسد الله لحمزة و سيف الله لخلد بن الوليد