الاحتكار
- الاحتكار لغةً : حبس الطّعام إرادة الغلاء ، . أمّا في الشّرع فقد عرّفه المالكيّة بأنّه رصد الأسواق انتظاراً لارتفاع الأثمان ، . و قال آخرون الاحتكار اشتراء القوت وحبسه انتظاراً للغلاء .
حكمه
يتّفق الفقهاء على أنّ الاحتكار بالقيود الّتي اعتبرها كلّ منهم محظور ، لما فيه من الإضرار بالنّاس ، والتّضييق عليهم . واستدلّ على ذلك بحديث : « المحتكر ملعون » وحديث : « من احتكر طعاماً أربعين ليلةً فقد برئ من اللّه ، وبرئ اللّه منه . » قال الكاسانيّ : ومثل هذا الوعيد لا يلحق إلاّ بارتكاب الحرام ، ولأنّه ظلم ؛ لأنّ ما يباع في المصر فقد تعلّق به حقّ العامّة ، فإذا امتنع المشتري عن بيعه عند شدّة حاجتهم إليه فقد منعهم حقّهم ، ومنع الحقّ عن المستحقّ ظلم وحرام ، يستوي في ذلك قليل المدّة وكثيرها ، لتحقّق الظّلم .
واعتبره ابن حجر الهيتميّ من الكبائر . ويقول : إنّ كونه كبيرةً هو ظاهر الأحاديث ، من الوعيد الشّديد ، كاللّعنة وبراءة ذمّة اللّه ورسوله منه والضّرب بالجذام والإفلاس . وبعض هذه دليل على الكبيرة
الحكمة في تحريم الاحتكار :
يتّفق الفقهاء على أنّ الحكمة في تحريم الاحتكار رفع الضّرر عن عامّة النّاس . ولذا فقد أجمع العلماء على أنّه لو احتكر إنسان شيئاً ، واضطرّ النّاس إليه ، ولم يجدوا غيره ، أجبر على بيعه دفعاً للضّرر عن النّاس ، وتعاوناً على حصول العيش . وهذا ما يستفاد ممّا نقل عن مالك من أنّ رفع الضّرر عن النّاس هو القصد من التّحريم ، إذ قال : إن كان ذلك لا يضرّ بالسّوق فلا بأس وهو ما يفيده كلام الجميع .
ما يجري فيه الاحتكار :
- هناك ثلاثة أقوال:
· قيل :لا احتكار إلاّ في القوت خاصّةً .و هو مذهب أبي حنيفة ومحمّد والشّافعيّة والحنابلة
· تقيل: الاحتكار يجري في كلّ ما يحتاجه النّاس ، ويتضرّرون من حبسه ، من قوت و إدام ولباس وغير ذلك . و هو مذهب المالكيّة وأبي يوسف من الحنفيّة .
· قيل : لا احتكار إلاّ في القوت والثّياب خاصّةً . وهذا قول لمحمّد بن الحسن .
واستدلّ الجمهور - أصحاب القول الأول - بأنّ الأحاديث الواردة في هذا الباب بعضها عامّ و بعضها خاص . وإذا اجتمعت نصوص عامّة وأخرى خاصّة في مسألة واحدة حمل العامّ على الخاصّ والمطلق على المقيّد ،
واستدلّ المالكيّة وأبو يوسف بالأحاديث العامّة ، وقالوا : إنّ ما ورد من النّصوص الخاصّة فهي من قبيل اللّقب ، واللّقب لا مفهوم له .
وأمّا ما ذهب إليه محمّد بن الحسن في قوله الثّاني فإنّه حمل الثّياب على القوت باعتبار أنّ كلّاً منهما من الحاجات الضّروريّة .
ما يتحقّق به الاحتكار :
يتحقّق الاحتكار في صور بعضها متّفق على تحريمه وهي ما إذا اجتمع فيه كون الشّيء المحتكر طعاماً وأن يحوزه بطريق الشّراء وأن يقصد الإغلاء على النّاس وأن يترتّب على ذلك الإضرار والتّضييق عليهم ، وهناك صور مختلف في تحريمها بحسب الشّروط .
شروط الاحتكار :
- يشترط في الاحتكار ما يأتي :
1 - احتباس السّلع بحيث يضرّ بالعامّة ، سواء أكان تملّكها بطريق الشّراء ، أو الجلب ، أو كان ادّخاراً لأكثر من حاجته ومن يعول و هو قول المالكية. و يرى آخرون يكون تملّكه للسّلعة بطريق الشّراء . وهذا ما ذهب إليه الجمهور ، فلا احتكار فيما جلب مطلقاً ، وهو ما كان من سوق غير سوق المدينة ، أو من السّوق الّذي اعتادت المدينة أن تجلب طعامها منه .
2 - أن يكون الشّراء وقت الغلاء للتّجارة انتظاراً لزيادة الغلاء . وهذا ما ذهب إليه الشّافعيّة . فلو اشترى في وقت الرّخص ، وحبسه لوقت الغلاء ، فلا يكون احتكاراً عندهم .
3 - أن يكون المحتكر قاصداً الإغلاء على النّاس وإخراجه لهم وقت الغلاء .
احتكار الصّنف :
وقد صوّره ابن القيّم بقوله : أن يلزم النّاس ألاّ يبيع الطّعام أو غيره من الأصناف إلاّ ناس معروفون ، فلا تباع تلك السّلع إلاّ لهم ، ثمّ يبيعونها هم بما يريدون . فهذا من البغي في الأرض والفساد بلا تردّد في ذلك عند أحد من العلماء . ويجب التّسعير عليهم ، وأن يبيعوا ويشتروا بقيمة المثل منعاً للظّلم . وكذلك إيجار الحانوت على الطّريق أو في القرية بأجرة معيّنة ، على ألاّ يبيع أحد غيره ، نوع من أخذ أموال النّاس قهراً وأكلها بالباطل ، وهو حرام على المؤجّر والمستأجر .
حكم جبر المحتكر على البيع :
الحاكم يأمر المحتكر بإخراج ما احتكر إلى السّوق وبيعه للنّاس . فإن لم يمتثل فهل يجبر على البيع ؟ : اتفق العلماء أنه إذا خيف الضّرر على العامّة أجبره ، وياع عليه ما احتكره ، وأعطاه المثل عند وجوده ، أو قيمته . يرى الجمهور أنا الحكم نفسه يكون وإذا لم يكن هناك خوف على العامّة إذا لم يمتثل الأمر بالبيع . خلافا لأب وأبي يوسف فيريان أنّه لا يجبر على البيع ، وإنّما يعزّره الحاكم