البيع: أركانه و شروطه و أنواعه
تعريف البيع
البيع لغة : أصله مبادلة مال بمال ، من باع يبيع بيعا, و يطلق على الشراء أيضا, فهو من أسماء الأضداد. ويقال لأحد المتقابلين مبيع وللآخر ثمن .
فيطلق كلاً من البيع والشراء على معنى الآخر ، فيقال لفعل البائع : بيع وشراء كما يقال ذلك لفعل المشتري ومنه قوله تعالى : [ وشروه بثمن ] . سورة يوسف ، آية 20 . فإن معنى شروه في الآية باعوه ،إلاّ أن العرف قد خص البيع بفعل البائع وهو إخراج الذات في الملك ، وخص الشراء بفعل المشتري وهو إدخال الذات في الملك .
البيع اصطلاحا : " مقابلة مال قابل للتصرف فيه مع الإيجاب و القبول , على الوجه المأذون فيه شرعا "
حكم البيع و دليل مشروعيته :
حكم البيع الجواز بدليل الكتاب والسنّة والإجماع .
من الكتاب : ورد في القرآن الكريم قوله تعالى [ وأحل الله البيع وحرم الربا ] . سورة البقرة ، الآية 275 .
وفي قوله تعالى: [ يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم ] . سورة النساء ، الآية 29 .
وقوله تعالى : [ فاشهدوا إذا تبايعتم ] . سورة البقرة ، الآية 282 .
فهذه الآيات صريحة في حل البيع وإن كانت مسوقة لأغراض أخرى غير إفادة الحل، لأن الآية الأولى مسوقة لتحريم الربا ، والثانية مسوقة لنهي الناس عن أكل أموال بعضهم بعضاً بالباطل ، والثالثة مسوقة للفت الناس إلى ما يرفع الخصومة ، ويحسم النزاع من الاستشهاد عند التبايع .
ومن السنّة : فعله صلى الله عليه و سلم فقد باشر البيع وشاهد الناس يتعاطون البيع والشراء فأقرهم ولم ينهاهم عنه .
و قوله عليه الصلاة والسلام : ( الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح سواءً بسواء ، مثلاً بمثل ، يداً بيد ، فمن زاد أن استزاد فقد أربى ، فإذا اختلفت هذه الأجناس فيبيعوا كيف شئتم ) رواه مسلم ، فقوله فبيعوا كيف شئتم صريح في إباحة البيع .
و قوله عليه الصلاة والسلام : ( أفضل الكسب بيع مبرور ، وعمل الرجل بيده ) رواه أحمد والطبراني وغيرهما ، والبيع المبرور هو الذي يبر فيه صاحبه فلم يغش ولم يخن ولم يعص الله فيه ،
الاجماع: أجمعت الأمة على انعقاد البيع من حيث أصل مشروعيته ثم اختلفوا في بعض صوره و فروعه.
و قد تعتري البيع أحكاما أخرى غير الإباحة, كالوجوب : مثل بيع القاضي لسبب موجب لذلك, و الندب: كبيع إبراء المقسم, و الكراهة: كبيع الهر و السبع لا لجلده, و التحريم :كبيع ما نهى الشرع عن بيعه
حكمة مشروعيته :
الحكمة تقتضيه ، لأن الحاجة ماسة إلى شرعيته ، إذ الناس محتاجون إلى الأعواض والسلع والطعام والشراب الذي في أيدي بعضهم ولا طريق لهم إليه إلاّ بالبيع والشراء .فالبيع:
1. وسيلة قوية و سهلة ليتوصل الشخص إلى ما يحتاج إليه مما يملكه غيره
2. تلبية حاجات الناس, و تحقيق التعاون المثمر بينهم لاختلاف أعمالهم ووظائفهم
3. تنظيم معاش الناس تجنبا للنزاعات و الخيانات,. و مختلف الحيل الممنوعة شرعا
أركان البيع و شروط كل ركن
أركان البيع ثلاثة وهي الصيغة والعاقد والمعقود عليه ، وكل منهما قسمان لأن العاقد إما أن يكون بائعاً أو مشترياً ، والمعقود عليه إما أن يكون ثمناً أو مثمناً والصيغة إما أن تكون إيجاباً أو قبولاً ،
الركن الأول : العاقدان و هما المتبايعان (حيث يكون أحدهما بائعا و الآخر مشتريا)
و يشترط في كل واحد منهما :
1. كونه مميزاً : فلا ينعقد بيع الصبي الذي لا يميز ، وكذلك المجنون ، أما الصبي المميز والمعتوه اللذان يعرفان البيع وما يترتب عليه من الأثر ويدركان مقاصد العقلاء من الكلام ويحسنان الإجابة عنها ، فإن بيعهما وشراءهما ينعقد ولكنه لا ينفذ إلاّ إذا كان بإذن من الولي في هذا الشيء الذي باعه واشتراه بخصوصه ، ولا يكفي الإذن العام .
فإذا اشترى الصبي المميز السلعة التي أذن له وليه في شرائها انعقد البيع لازماً ، وليس للولي رده ، أما إذا لم يأذن وتصرف الصبي المميز من تلقاء نفسه فإن بيعه ينعقد ، ولكن لا يلزم إلاّ إذا أجازه الولي ، أو أجازه الصبي بعد البلوغ ومنها
2. كونه رشيداً : ( و يتحقق الرشد بحفظ المال و حسن النظر فيه )وهذا شرط لنفاذ البيع فلا ينعقد بيع الصبي مميزاً كان أو غيره ، ولا بيع المجنون والمعتوه والسفيه إلاّ إذا أجاز الولي بيع المميز منهم. و بيع المفلس متوقف على إمضاء دائنيه.( و المفلس من استغرقت الديون جميع أمواله )
3. كونه مالكا للمبيع أو نائبا عنه فيه بوكالة أو ولاية شرعية : فلا يلزم من فضولي إلا إذا أجازه المالك
4. كونه طائعا مختاراً : فلا ينعقد بيع المكره قسرا ولا شراؤه لقوله تعالى : [ إلاّ أن تكون تجارة عن تراض منكم ] . سورة النساء ، الآية 29 .
وقوله عليه الصلاة والسلام : ( إنما البيع عن تراض ) رواه ابن حيان
الركن الثاني : المعقود عليه ( المبيع و الثمن )
يشترط في المعقود عليه ثمناً كان أو مثمناً شروط منها :
1. أن يكون طاهراً فلا يصح أن يكون النجس مبيعاً ولا ثمناً ، فإذا باع شيئاً نجساً أو متنجساً لا يمكن تطهيره فإن بيعه لا ينعقد ، وكذلك لا يصح أن يكون النجس أو المتنجس الذي لا يمكن تطهيره ثمناً ، فإذا اشترى أحد عيناً طاهرة وجعل ثمنها خمراً أو خنزيراً مثلاً فإن بيعه لا ينعقد .
2. أن يكون منتفعاً به انتفاعاً شرعياً فلا ينعقد بيع الحشرات التي لا نفع فيها .
3. أن يكون المبيع مملوكاً للبائع حال البيع ، فلا ينعقد بيع ما ليس مملوكاً إلاّ في السلم ، فإنه ينعقد بيع العين التي ستملك بعد .
4. أن يكون مقدوراً على تسليمه و تسلمه ، فلا ينعقد بيع المغصوب لأنه وإن كان مملوكاً للمغصوب منه إلاّ أنه ليس قادراً على تسليمه إلاّ إذا كان المشتري قادراً على نزعه من الغاصب ، وإلا صح ، وأيضاً لا يصح أن يبيعه الغاصب لأنه ليس مملوكاً
5. أن يكون المبيع معلوماً والثمن معلوماً علماً يمنع من المنازعة ، فبيع المجهول جهالة تقضي إلى المنازعة غير صحيح كما إذا قال للمشتري : اشتري شاة من قطيع الغنم التي أملكها أو اشتري مني هذا الشيء بقيمته أو اشتري مني هذه السلعة بالثمن الذي يحكم به فلان ، فإن البيع في كل هذا لا يصح .
6. أن يكون غير منهي عن بيعه : فلا يجوز بيع ما نهى الشرع عن بيعه, و لو جاز امتلاكه و الانتفاع به كلحم الأضحية أو جلدها و الكلب المتخذ لغير حراسة أو صيد .
.الركن الثالث: الصيغة ( الإيجاب و القبول )
الصيغة في البيع هي كل ما يدل على رضا الجانبين البائع والمشتري ويسمى ما يقع من البائع إيجاباً ، وما يقع من المشتري قبولاً ، وقد يتقدم القبول على الإيجاب ، كما إذا قال المشتري : بعني هذه السلعة بكذا . و يشترط أن يكون الإيجاب موافقاً للقبول في القدر والوصف والنقد والحلول والأجل و سماع المتبايعين كلام بعضهما ، فإذا كان البيع بحضرة شهود فإنه يكفي سماع الشهود بحيث لو أنكر أحدهما السماع لم يصدق ، فإذا قال : بعت هذه السلعة بكذا ، وقال الآخر : قبلت ، ثم تفرقا فادعى البائع أنه لم يسمع القبول أو ادعى المشتري بأنه لم يسمع الثمن مثلاً فإن دعواهما لا تسمع إلاّ بالشهود
و يكون الإيجاب و القبول بإحدى الطرق الآتية :
1- بالكلام ( القول- اللفظ ) و هو كل لفظ يفيد البيع صراحة أو كناية ( بعتك كذا , ملكتك كذا ...)
2- بالمعاطاة وهي التبايع بالمبادلة الفعلية الدالة على التراضي دون تلفظ بأن يكون الأخذ والإعطاء من غير كلام كأن يشتري شيئاً ثمنه معلوم له فأخذه من البائع ويعطيه الثمن وهو يملك بالقبض .
3- بالإشارة : بشرط أن تكون مفهمة للمراد سواء صدرت عن الأخري أو عن القادر عن الكلام.
4- بالكتابة : سواء كانت رسمية أو عرفية أو سندا أو ممارسة .
أنواع البيع
يتنوع البيع بالنظر إلى إقرار الشرع له أو عدمه إلى بيع صحيح و بيع فاسد, أو باطل
1. البيع الصحيح النافذ اللازم : فهو ما كان مشروعاً بأصله ووصفه ، ولم يتعلق به حق الغير ولا خيار فيه وحكمه أنه يثبت أثره في الحال .
2. البيع الباطل : فهو ما اختل ركنه أو محله أو لا يكون مشروعاً بأصله، ولا بوصفه وحكمه أنه لا يعتبر منعقداً فعلاً .
3. البيع الفاسد : هو ما كان مشروعاً بأصله دون وصفه ، كمن عرض له أمر أو وصف غير مشروع مثل بيع المجهول جهالة تؤدي للنزاع ، كبيع دار من الدور أو سيارة من السيارات المملوكة لشخص دون تعيين ، وكإبرام صفقتين في صفقة ، وحكمه أنه يثبت فيه الملك بالقبض بإذن المالك صراحة أو دلالة .
- الضابط الذي يميز الفاسد عن الباطل :
1 - إذا كان الفساد يرجع للمبيع فالبيع باطل .
2 - أما إذا كان الفساد يرجع للثمن ، فإن البيع يكون فاسداً ، أي أنه ينعقد بقيمة المبيع .
أنواع البيع الباطل :
وهي ستة أنواع كالآتي :
1 - بيع المعدوم . 2 - بيع معجوز التسليم .
3 - بيع الغرر . 4 - بيع النجس والمتنجس .
5 - بيع العربون . 6 - بيع الماء . [1]
إضافات
تقسيم البيع باعتبار الحكم الشرعي :
تقسيم البيع باعتبار طريقة تحديد الثمن :
ينقسم البيع باعتبار طريقة تحديد الثمن إلى ثلاثة أنواع :
1 - بيع المساومة : هو البيع الذي لا يظهر فيه رأس ماله ، أي البيع بدون ذكر ثمنه الأول .
2 - بيع المزايدة : هو أن يعرض البائع سلعته في السوق ويتزايد المشترون فيها فتباع لمن يدفع الثمن أكثر .
ويقارب المزايدة الشراء بالمناقصة ، وهي أن يعرض المشتري شراء سلعة موصوفة بأوصاف معينة ، فيتنافس الباعة في عرض البيع بثمن أقل ، ويرسو البيع على من رضي بأقل سعر ، ولم يتحدث الفقهاء قديماً عن مثل هذا البيع ولكنه يسري عليه ما يسري على المزايدة مع مراعاة التقابل .
3 - بيوع الأمانة : هي التي يحدد فيها الثمن بمثل رأس المال أو أزيد أو أنقص وسميت بيوع الأمانة لأنه يؤمن فيها البائع في إخباره برأس المال ، وهي ثلاثة أنواع :
أ - بيع المرابحة : وهو بيع السلعة بمثل الثمن الأول الذي اشتراها البائع مع زيادة ربح معلوم متفق عليه .
ب - بيع التولية : وهو بيع السلعة بمثل ثمنها الأول الذي اشتراها البائع به من غير نقص ولا زيادة .
ج - بيع الوضيعة : وهو بيع السلعة بمثل ثمنها الأول الذي اشتراها البائع به مع وضع (حط) مبلغ معلوم من الثمن ، أي بخسارة محددة .
تقسيم البيع باعتبار طريقة تسليم الثمن :
1 - بيع منجز الثمن : وهو ما يشترط فيه تعجيل الثمن ، ويسمى بيع النقد أو البيع بالثمن الحال .
2 - بيع مؤجل الثمن : وهو ما يشترك فيه تأجيل الثمن .
3 - بيع مؤجل المثمن : وهو مثل بيع السلم وبيع الاستصناع .
4 - بيع مؤجل العوضين : أي بيع الدين بالدين وهو ممنوع في الجملة