التذكير بنعم الله و مصنوعاته و تسخيرها للإنسان 9 الزخرف من الآية

التذكير بنعم الله و مصنوعاته و تسخيرها للإنسان

الزخرف من الآية 9

 

 

وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مهاداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا  بِهِ  بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ

التفسير:

 من تفسير القرطبي تصرفا

قوله تعالى: «ولئن سألتهم» يعني المشركين. «من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم» فأقروا له بالخلق والإيجاد، ثم عبدوا معه غيره جهلا منهم.

قوله تعالى: «الذي جعل لكم الأرض مهادا» وصف نفسه سبحانه بكمال القدرة. وهذا ابتداء إخبار منه عن نفسه، ولو كان هذا إخبارا عن قول الكفار لقال الذي جعل لنا الأرض «مهادا» فراشا وبساطا. وقرأ الكوفيون «مهدا»

«وجعل لكم فيها سبلا» أي معايش. وقيل طرقا، لتسلكوا منها إلى حيث أردتم.

قوله تعالى: «لعلكم تهتدون» فتستدلون بمقدوراته على قدرته. وقيل: «لعلكم تهتدون» في أسفاركم؛ قال ابن عيسى. وقيل: لعلكم تعرفون نعمة الله عليكم؛ قاله سعيد بن جبير. وقيل: تهتدون إلى معايشكم.

قوله تعالى: «والذي نزل من السماء ماء بقدر» قال ابن عباس: أي لا كما أنزل على قوم نوح بغير قدر حتى أغرقهم، بل هو بقدر لا طوفان مغرق ولا قاصر عن الحاجة، حتى يكون معاشا لكم ولأنعامكم. «فأنشرنا» أي أحيينا. «به» أي بالماء. «بلدة ميتا» أي مقفرة من النبات. «كذلك تخرجون» أي من قبوركم؛ لأن من قدر على هذا قدر على ذلك. وقد مضى في «الأعراف» مجودا. وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي وابن ذكوان عن ابن عامر «يخرجون» بفتح الياء وضم الراء. الباقون على الفعل المجهول.

قوله تعالى: «والذي خلق الأزواج» أي والله الذي خلق الأزواج. قال سعيد بن جبير: أي الأصناف كلها. وقال الحسن: الشتاء والصيف والليل والنهار والسموات والأرض والشمس والقمر والجنة والنار. وقيل: أزواج الحيوان من ذكر وأنثى؛ قال ابن عيسى. وقيل: أراد أزواج النبات؛ كما قال تعالى: «وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج» «ق: 7» و «من كل زوج كريم» «لقمان: 10» . وقيل: ما يتقلب فيه الإنسان من خير وشر، وإيمان وكفر، ونفع وضر، وفقر وغنى، وصحة وسقم.قلت: وهذا القول يعم الأقوال كلها ويجمعها بعمومه.

قوله تعالى: «وجعل لكم من الفلك» السفن «والأنعام» الإبل «ما تركبون» في البر والبحر. «لتستووا على ظهوره» ذكر الكناية لأنه رده إلى ما في قوله: «ما تركبون» ؛ قال أبو عبيد. وقال الفراء: أضاف الظهور إلى واحد لأن المراد به الجنس، فصار الواحد في معنى الجمع بمنزلة الجيش والجند؛ فلذلك ذكر، وجمع الظهور، أي على ظهور هذا الجنس.قال سعيد بن جبير: الأنعام هنا الإبل والبقر. وقال أبو معاذ: الإبل وحدها؛ وهو الصحيح لقوله عليه السلام: بينما رجل راكب بقرة إذ قالت له لم أخلق لهذا إنما خلقت للحرث فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «آمنت بذلك أنا وأبو بكر وعمر» . وما هما في القوم. وقد مضى هذا.

قوله تعالى: «لتستووا على ظهوره» يعني به الإبل خاصة بدليل ما ذكرنا. ولأن الفلك إنما تركب بطونها، ولكنه ذكرهما جميعا في أول الآية وعطف أخرها على أحدهما. ويحتمل أن يجعل ظاهرها باطنها؛ لأن الماء غمره وستره وباطنها ظاهرا؛ لأنه أنكشف الظاهرين وظهر للمبصرين.

قوله تعالى: «ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه» أي ركبتم عليه وذكر النعمة هو الحمد لله على تسخير ذلك لنا في البر والبحر. «وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين» «وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا» أي ذلل لنا هذا المركب. وفي قراءة علي بن أبي طالب «سبحان من سخر لنا هذا» . «وما كنا له مقرنين» أي مطيقين؛ في قول ابن عباس والكلبي. وقال الأخفش وأبو عبيدة: «مقرنين» ضابطين. وقيل: مماثلين في الأيد والقوة؛ من قولهم: هو قرن فلان إذا كان مثله في القوة. ويقال: فلان مقرن لفلان أي ضابط له. وأقرنت كذا أي أطقته. وأقرن له أي أطاقه وقوي عليه؛ كأنه صار له قرنا.

قال الله تعالى: «وما كنا له مقرنين» أي مطيقين.والمقرن أيضا: الذي غلبته ضيعته؛ يكون له إبل أو غنم ولا معين له عليها، أو يكون يسقي إبله ولا ذائد له يذودها. قال ابن السكيت: وفي أصله قولان: أحدهما: أنه مأخوذ من الإقران؛ يقال: أقرن يقرن إقرانا إذا أطاق. وأقرنت كذا إذا أطقته وحكمته؛ كأنه جعله في قرن - وهو الحبل - فأوثقه به وشده. والثاني: أنه مأخوذ من المقارنة وهو أن يقرن بعضها ببعض في السير؛ يقال: قرنت كذا بكذا إذا ربطته به وجعلته قرينه.علمنا الله سبحانه ما نقول إذا ركبنا الدواب، وعرفنا في آية أخرى على لسان نوح عليه السلام ما نقول إذا ركبنا السفن؛ وهي قوله تعالى: «وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم» «هود: 41» فكم من راكب دابة عثرت به أو شمست أو تقحمت أو طاح من ظهرها فهلك. وكم من راكبين في سفينة أنكسرت بهم فغرقوا. فلما كان الركوب مباشرة أمر محظور واتصالا بأسباب من أسباب التلف أمر ألا ينسى عند أتصال به يومه، وأنه هالك لا محالة فمنقلب إلى الله عز وجل غير منفلت من قضائه. ولا يدع ذكر ذلك بقلبه ولسانه حتى يكون مستعدا للقاء الله بإصلاحه من نفسه. والحذر من أن يكون وركوبه ذلك من أسباب موته في علم الله وهو غافل عنه. وما ينبغي لعبد أن يدع قول هذا وليس بواجب ذكره باللسان؛ فيقول متى ركب وخاصة في السفر إذا تذكر: «سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له بمقرنين. وإنا إلى ربنا لمنقلبون» اللهم أنت الصاحب في السفر، والحليفة في الأهل والمال، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، والجور بعد الكور، وسوء المنظر في الأهل والمال؛ يعني بـ «الجور بعد الكور» تشتت أمر الرجل بعد اجتماعه. وقال علي بن ربيعة: شهدت علي بن أبي طالب ركب دابة يوما فلما وضع رجله في الركاب قال: باسم الله، فلما استوى على الدابة قال الحمد لله، ثم قال: «سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين. وإنا إلى ربنا لمنقلبون» ثم قال: الحمد لله والله أكبر - ثلاثا - اللهم لا إله إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لى إنه لايغفر الذنوب إلا أنت؛ ثم ضحك فقلت له: ما أضحكك ؟ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع كما صنعت، وقال كما قلت؛ ثم ضحك فقلت له ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: «العبد - أو قال - عجبا لعبد أن يقول اللهم لا إله إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيره» . خرجه أبو داود الطيالسي في مسنده، .... وذكر الثعلبي له نحوه مختصرا عن علي رضي الله عنه، ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا وضع رجله في الركاب قال: «باسم الله - فإذا استوى قال - الحمد لله على كل حال سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون وإذا نزلتم من الفلك والأنعام فقولوا اللهم أنزلنا منزلا مباركا وأنت خير المنزلين»

المضامين و الآحكام

 *التذكير بنعم الله و مصنوعاته

 * تسخيرالله تعالى هذه المصنوعات للإنسان

 *   جعل الأرض متسعة ممتدة, ومهيأة للمعاش

 * وجوب شكره تعالى على ما انعم على الإنسان به

  *  تمكين الإنسان من مستلزمات حياته في الأرض بأن جعل فيها أنهارًا للشرب والمنافع, وجعل فيها من كل الثمرات صنفين اثنين, للغذاء استمرارا للحياة و ومما تنبته الأرض توسعة على العباد

* تذليل المصنوعات و الحيوانات لمنافع العباد من ركوب و غيره موجب ذكر النعمة هو الحمد لله على تسخير ذلك لهم في البر والبحر

 *  دلالة آيات صنعه تعالى  في السماوات و تدبيره للأرض على وحدانيته سبحانه وقدرته         

 * الارشاد إلى دعاء الركوب

 *  دلالة آيات صنعه تعالى  في السماوات و تدبيره للأرض على وحدانيته سبحانه وقدرته