الرهن

الرهن

تعريفه

الرهن في اللغة إما الثبوت والدوام , يقال : ماء راهن أي راكد , وحالة راهنة أي ثابتة دائمة
كما يدل أيضا على  الحبس واللزوم , ومنه قول الله تعالى :
كل نفس بما كسبت رهينة    ( المدثر : 38 ) أي محبوسة , وقد يطلق الرهن لغة على الشيء المرهون : وهو ما جعل وثيقة للدين , من باب تسمية المفعول بالمصدر ,
والرهن بالمعنى المصدري أو العقدي : هو توثيق الدين بشيء يمكن استيفاؤه منه إذا لم يقم المدين بإيفائه .
الرهن اصطلاحا : قال ابن عرفة: الرهن ما قبض توثقا في دين

 قال عامة المالكية الرهن : شيء متمول يؤخذ من مالكه , توثقا به , في دين لازم , أو صار إلى اللزوم , أي أنه تعاقد على أخذ شيء من الأموال عينا كالعقار والحيوان والعروض         ( السلع ) أو منفعة , على أن تكون المنفعة معينة بزمن أو عمل , وعلى أن تحسب من الدين
ويسمى معطي الرهن ( الراهن ) , وآخذ الرهن ( المرتهن ) , ويسمى ما أعطي من المال وثيقة للدين ( المرهون أو الرهن ) , أما الدين فهو يسمى ( المرهون به ) .
ينعقد ويصح ويلزم بالصيغة , أي بمجرد الإيجاب والقبول , كالكفالة , ثم يطلب المرتهن أخذه
 وللرهن المتفق عليه بين العاقدين أحوال ثلاثة :
الحال الأولى
أن يقع مع العقد المنشئ للدين : كأن يشترط البائع على للمشترى بثمن مؤجل إلى المستقبل في مدة معينة تسليم رهن بالثمن .
وهذا صحيح باتفاق المذاهب , لأن الحاجة داعية إليه .
الحال الثانية :
أن يقع بعد الحق أو نشوء الدين : وهو صحيح أيضا بالاتفاق , لأنه دين ثابت تدعو الحاجة إلى أخذ الوثيقة به , فجاز أخذها به كالضمان ( الكفالة ) .
وآية
فرهان مقبوضة تشير إليه , لأن الرهن بدل عن الكتابة ( كتابة الدين ) والكتابة بعد وجوب الحق .
الحال الثالثة :
أن يقع قبل نشوء الحق مثل : رهنتك متاعي هذا بمائة تقرضنيها , يصح عند المالكية والحنفية , لأنه وثيقة بحق فجاز عقدها قبل وجوبه كالكفالة , وهذا هو المعقول .
ولا يصح عند الشافعية والحنابلة في ظاهر المذهب كما تقدم , لأن الوثيقة بالحق لا تلزم قبله كالشهادة , لأن الرهن تابع للحق فلا يسبقه .

مشروعيته

الرهن مشروع بالقرآن والسنة والإجماع .

الدليل من القرآن
يقول تعالى : وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة ( البقرة : 283 ) يقول القرطبي لما ذكر الله تعالى الندب إلى الإشهاد والكتب لمصلحة حفظ الأموال عقب ذلك بذكر حال الأعذار المانعة من الكتب , وجعل لها الرهن , ونص من أحوال العذر على السفر الذي هو غالب الأعذار , ويدخل في ذلك بالمعنى كل عذر , فرب وقت يتعذر فيه الكاتب في الحضور كأوقات أشغال الناس وبالليل , وأيضا فالخوف على خراب ذمة الغريم عذر يوجب طلب الرهن .
الدليل من السنة
روي البخاري و مسلم عن عائشة رضي الله عنها : "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما ورهنه درعا من حديد ".
وعن أنس قال : " رهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعا عند يهودي بالمدينة وأخذ منه شعيرا لأهله " .
رواه أحمد و البخاري و النسائي و ابن ماجة .
وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي .
الدليل من الإجماع
أجمع المسلمون على جواز الرهن في حال السفر , و يرى الجمهور خلافا للظاهرية أنه مشروع  في الحضر أيضا.
يقول القرطبي والرهن باتفاق الفقهاء جائز في الحضر والسفر , خلافا لمجاهد والظاهرية , الرهن في السفر ثابت بنص التنزيل , وفي الحضر ثابت بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم لإطلاق مشروعيته في السنة , وهو القول الراجح ,
وذكر السفر في الآية خرج مخرج الغالب , لكون الكاتب في الماضي غير متوافر في السفر غالبا , ولا يشترط أيضا عدم وجود الكاتب , لثبوت جوازه في السنة مطلقا , فالآية أرادت إرشاد الناس إلى وثيقة ميسرة لهم عند فقدان كاتب يكتب لهم الدين
ويقول ابن المنذر لا نعلم أحدا خالف في جواز الرهن في الحضر إلا مجاهدا قال : ليس الرهن إلا في السفر لأن الله تعالى شرط السفر في الرهن .

والحكمة من تشريع الرهن توثيق الديون , فكما أن الكفالة توثق الدين شخصيا , يوثق الرهن الدين ماليا , تسهيلا للقروض .

أركانه

لا تتحقق ماهية الركن إلا بأركانه

وهي: العاقد من راهن ومرتهن , والمرهون ( وهو المال المبذول ) والمرهون به ( أي فيه وهو الدين ) والصيغة كالبيع ,

 1- الصيغة ينعقد الرهن بالإيجاب والقبول , وهذا محل اتفاق بين الفقهاء

وقال المالكية والحنابلة : إن الرهن ينعقد بكل ما يدل على الرضا عرفا فيصح بالمعاطاة والإشارة المفهمة والكتابة , لعموم الأدلة كسائر العقود ولأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة استعمال إيجاب وقبول في معاملاتهم , ولو استعملوا ذلك لنقل إلينا شائعا , ولم يزل المسلمون يتعاملون في عقودهم بالمعاطاة . وقال ابن القاسم لا بد فيها من اللفظ الصريح .
2. الراهن : و هو المالك للشيء المرهون و لو بإجازة أو إعارة
يشترط فيه ثلاثة شروط :
أ - أن يكون مختارا
فلا يصح الرهن المصحوب بالإكراه , ولا ينتج أثره الشرعي , قال النبي صلى الله عليه وسلم :
رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه .
ب - أن يكون مالكا للمرهون أو مأذونا له في رهنه
ليس لأحد رهن ملك غيره إلا بولاية عليه , فإذا لم يكن له ولاية في الرهن , وسلم المرهون إلى المرتهن ( رهن الفضولي ) , كان بهذا التسليم متعديا وغاصبا , وكان الرهن عند الحنفية والمالكية موقوفا على الإجازة , فإن لم يجزه مالك المرهون بطل الرهن وكانت العين في ضمان الراهن بسبب غصبه .
هذا ويجوز للإنسان أن يرهن ملك الغير إذا كان بإذنه كرهن المستعار والمستأجر .
ج - الأهلية : بأن يكون أهلا للتصرف في المرهون .
والأهلية أو القدرة على التصرف في رأي الحنفية والمالكية : هي أهلية البيع , بأن يكون العاقد عاقلا مميزا , فكل من يصح بيعه يصح رهنه , لأن الرهن تصرف مالي كالبيع , فوجب أن يراعى في عاقديه ما يراعى في عاقدي البيع والمشروط في عاقدي البيع : العقل أو التمييز , فلا يجوز الرهن والارتهان من المجنون والصبي غير المميز أو الذي لا يعقل .
ويصح رهن الصبي المميز والسفيه , موقوفا على إجازة وليه , فإن أجازه نفذ ووجب النص عليه في العقد.

المرتهن و هو الدائن الذي يأخذ الرهن مقابل الدين  و يشترط فيه أهلية التصرف بأن يكون عاقلا مميزا فلا يجوز الارتهان من المجنون والصبي غير المميز أو الذي لا يعقل .
المرهون و هو العين المرهونة مقابل الدين مطلقا (عقار- عروض- حيوان )

أن يكون المرهون عينا
يشترط جمهور الفقهاء أن يكون المرهون عينا , فلا يصح رهن الدين , ولو لمن هو عليه لأنه غير مقدور على تسليمه ولأن القبض شرط للزوم الرهن لقوله تعالى فرهان مقبوضة ولا يرد ذلك على الدين .

و يجوز أن يكون كذلك منفعة , وعبارة المالكية الرهن : شيء متمول يؤخذ من مالكه , توثقا به , في دين لازم , أو صار إلى اللزوم , أي أنه تعاقد على أخذ شيء من الأموال عينا كالعقار والحيوان والعروض ( السلع ) أو منفعة , على أن تكون المنفعة معينة بزمن أو عمل , وعلى أن تحسب من الدين .
وهم قالوا بصحة ذلك قياسا على البيع .
خلافا للجمهور الذين لا يجيزون رهن المنفعة كسكنى الدار وركوب السيارة مدة معينة

أن يكون المرهون قابلا للبيع عند حلول الأجل
 أن يكون مالا متقوما معلوما , مقدور التسليم .

 فلا يصح رهن ما ليس بمال كالميتة والدم , ولا رهن الخمر والخنزير لأنه غير متقوم ولا رهن المجهول , ولا رهن معجوز التسليم غير الموجود عند إبرام عقد الرهن , مثل رهن ما يثمر الشجر هذا العام , أو ما تلد الأغنام هذه السنة , أو رهن الطير الطائر والحيوان الشارد ونحوه . ولا يصح رهن المال العام أو الموقوف , لأنه غير صالح للبيع .
أن يكون مملوكا للراهن محوزا .
ويجوز رهن مال الغير بإذنه , كالمستعار من إنسان ليرهنه بدين على المستعير .
فإن لم يكن هناك إذن من المالك بالرهن , كان الرهن كالبيع موقوفا على الإجازة , فإن أجاز نفذ وإلا بطل .
المرهون به أو فيه و هو الحق الذي أعطي به الرهن سواء كان ناشئا عن بيع أو قرض أو جعالة المال المرهون به, قد يكون دينا , وقد يكون عينا

و يشترط فيه أن يكون لازما حالا أو مآلا
ولا خلاف بين الفقهاء على جواز الرهن إذا كان المرهون به دينا
أما إذا كان المرهون به عينا
ففيه نوعان : نوع اتفق الفقهاء على عدم جواز الرهن به , وهو يخص الأعيان التي تكون أمانة في يد الراهن كالوديعة والعارية والمأجور ومال الشركة والمضاربة ونحوها من الأعيان التي هي ليست بمضمونة أصلا .
فإذا كانت الأعيان مضمونة بنفسها ( وهي التي يجب ضمان مثلها إن كان لها مثل , أو قيمتها إن لم يكن لها مثل , كالمغصوب في يد الغاصب , والمقبوض على سوم الشراء , والمهر في يد الزوج , وبدل الخلع في يد الزوجة , وبدل الصلح عن دم العمد ) , فيجوز الرهن بها عند الجمهور غير الشافعية , وللمرتهن أن يحبس الرهن حتى يسترد العين المرهون بها , وإن هلك الرهن في دين المرتهن قبل استرداد العين , وهي قائمة باقية , يقال للراهن : سلم العين إلى المرتهن , وخذ منه الأول من قيمة الرهن , ومن قيمة العين , لأن المرهون مضمون بالأقل المذكور عند الحنفية .
انتفاع المرتهن بالرهن

 ليس للمرتهن أن يتصرف في المرهون إلا بإذن الراهن و لا حق له في غلة المرهون وما ينتج عنه إلا أن يشترطها فهي له بشروط ثلاثة:

  • أن يكون الدين بسبب بيع لا قرض
  • أن يشترطها المرتهن, فلا يجوز أخذها إن تطوع بها الراهن.
  • أن تعين مدة المنفعة المشترطة, فلا حق له فيها إن كانت مجهولة

و للمرتهن حق بيع المرهون لاستيفاء دينه إذا عجز الراهن الوفاء بالدين الذي حل أجله, و ما زاد على قيمة الدين من ثمن البيع فهو للراهن و ما نقص منه فعليه أن يكمل ما تبقى. 

مؤونة الرهن و منافعه

يتحمل الراهن ما به بقاء عين الرهن و حفظه لأنه على ملكه, و إن قام به المرتهن رجع عليه فيه بكل مصاريفه.  و للراهن حق غلة المرهون و ما ينتج عنه من منافع إلا أن يشترطها المرتهن فهي له بالشروط المذكورة . و ليس للراهن طلب رد المرهون كله أو بعضه بدفع بعض الدين حتى يستوفي الدين كله أو يبرئه, كان الرهن قابلا للقسمة أم لا.

ضمان الرهن

بما أن الرهن أمانة في يد المرتهن فلا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط فيه . و للعلماء تفصيل في ذلك : إذا حاز المرتهن رهنا مما يغاب عليه من الحلي و العروض و غيرهما, و ادعى أنه ضاع ضمن للتهمة, ما لم تقم بينة للمرتهن على هلاك الرهن أو فساده , فإن قامت بينة على هلاكه من غير سببه فلا ضمان عليه و به العمل .

وذهب المالكيّة إلى ضمان الرّهن بشروط :

أ - أن يكون الرّهن في يد المرتهن ، لا في يد غيره ، كالعدل .

ب - أن يكون الرّهن ممّا يغاب عليه ، أي يمكن إخفاؤه ، كالحليّ والسّلاح والكتب والثّياب.

ج - أن لا تقوم بيّنة على هلاكه أو تلفه بغير سببه ، كالحريق الغالب ، وغارات الأعداء ، ومصادرة البغاة ، فإذا وجدت هذه الشّروط ، ضمن المرتهن ، ولو شرط في عقد الرّهن البراءة وعدم ضمانه ، لأنّ هذا إسقاط للشّيء قبل وجوبه ، والتّهمة موجودة ، خلافاً لأشهب ، القائل بعدم الضّمان عند الشّرط . 

 و خلاصة القول أنه يضمن المرتهن ضياع الرهن إذا كان بسببه كتفريط منه أو تعد, و لا ضمان عليه إن كان بسبب قاهر. و لا يصدق في إدعاء رد الرهن إذا أنكر الراهن ذلك إلا بحجة يدلي بها