العدل (المائدة: 9

العدل

المائدة:9

يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون

 من تفسير الطبري

القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط} يعني بذلك جل ثناؤه: يا أيها الذين آمنوا بالله وبرسوله محمد، ليكن من أخلاقكم وصفاتكم القيام لله، شهداء بالعدل في أوليائكم وأعدائكم، ولا تجوروا في أحكامكم وأفعالكم، فتجاوزوا ما حددت لكم في أعدائكم لعدواتهم لكم، ولا تقصروا فيما حددت لكم من أحكامي وحدودي في أوليائكم لولايتهم، ولكن انتهوا في جميعهم إلى حدي، واعملوا فيه بأمري.

وأما قوله: {ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا} فإنه يقول: ولا يحملنكم عداوة قوم على ألا تعدلوا في حكمكم فيهم وسيرتكم بينهم، فتجوروا عليهم من أجل ما بينكم وبينهم من العداوة. وقد قيل: إن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين همت اليهود بقتله. ذكر من قال ذلك: - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوى} نزلت في يهود خيبر، أرادوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن جريج: قال عبد الله بن كثير: ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يهود يستعينهم في دية، فهموا أن يقتلوه، فذلك قوله: {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا} ... الآية..

قوله تعالى: {اعدلوا} يعني جل ثناؤه بقوله: {اعدلوا} أيها المؤمنون على كل أحد من الناس وليا لكم كان أو عدوا، فاحملوهم على ما أمرتم أن تحملوهم عليه من أحكامي، ولا تجوروا بأحد منهم عنه. وأما قوله: {هو أقرب للتقوى} فإنه يعني بقوله: هو العدل عليهم أقرب لكم أيها المؤمنون إلى التقوى، يعني: إلى أن تكونوا عند الله باستعمالكم إياه من أهل التقوى، وهم أهل الخوف والحذر من الله إن يخالفوه في شيء من أمره، أو يأتوا شيئا من معاصيه. وإنما وصف جل ثناؤه العدل بما وصف به من أنه أقرب للتقوى من الجور، لأن من كان عادلا كان لله بعدله مطيعا، ومن كان لله مطيعا كان لا شك من أهل التقوى، ومن كان جائرا كان لله عاصيا، ومن كان لله عاصيا كان بعيدا من تقواه. وإنما كنى بقوله: {هو أقرب} عن الفعل، والعرب تكني عن الأفعال إذا كنت عنها بـ "هو " وب "ذلك " ، كما قال جل ثناؤه {فهو خير لكم} {وذلكم أزكى لكم} ولم لم يكن في الكلام "هو " لكان أقرب "نصبا " ، ولقيل: اعدلوا أقرب للتقوى، كما قيل: {انتهوا خيرا لكم} وأما قوله: {واتقوا الله} فإنه يعني: واحذروا أيها المؤمنون أن تجوروا في عباده، فتجاوزوا فيهم حكمه وقضاءه الذين بين لكم، فيحل بكم عقوبته، وتستوجبوا منه أليم نكاله. {إن الله خبير بما تعملون} يقول: إن الله ذو خبرة وعلم بما تعملون أيها المؤمنون فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه من عمل به أو خلاف له، محص ذلكم عليكم كله، حتى يجازيكم به جزاءكم المحسن منكم بإحسانه، والمسيء بإساءته، فاتقوا أن تسيئوا.