الوصية
تعريف الوصية
الوصية لغة مشتقة من الإيصال، فيقال : وصى الشيء بكذا أي وصله به، ( كأن الموصي وصل ما كان في حياته بعد موته )
و الوصية اصطلاحا : عرفها الفقهاء فقالوا:
o تمليك مضاف إلى ما بعد الموت تبرعا
o العهد بالنظر في شيء أو التبرع بمال بعد الوفاة
o وعرفها ابن عرفة بقوله: الوصية عقد يوجب حقا في ثلث عاقده يلزم بموته أو نيابة عنه بعده
أنواعها: انطلاقا من التعاريف المذكورة تتنوع الوصية إلى:
o وصية تكليف: و هي وصية إلى من يكلف بتسديد دين أو إعطاء حق النظر في رعاية القاصرين
o وصية تمليك : و هي وصية بصرف جزء من ماله او حقوقه المالية إلى الجهة الموصى لها بذلك مضافة إلى ما بعد الموت
أدلة مشروعية الوصية
مشروعة بالقرآن والسنة والإجماع و المعقول
فمن القرآن
قوله تعالى:(( كُتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين)) (البقرة : 180). و قوله "فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين" (النساء : 12).
و قوله تعالى - "فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين" (النساء : 12)
و من السنة : روى البخاري ومسلم عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما حق امرئ مسلم له شيء يوصى فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده" (متفق عليه).
كما ورد في الصحيحين أن سعد بن أبى وقاص قال : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني في عام حجة الوداع من وجع اشتد بي فقلت : يا رسول الله قد بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا ترثني إلا ابنة، فأتصدق بمالي كله؟ قال : "لا" قلت " فثلثي مالي ؟ قال "لا" قلت : فالشطر ؟ قال : "لا" قلت : فالثلث ؟ قال
"الثلث والثلث كثير" إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس" (رواه البخارى).
وأخرج أبو داود والترمذي وغيرهما من حديث أبى أمامة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى خطبة الوداع : "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث" (الترمذي).
ويروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله : "كان المال للولد، وكانت الوصية للوالدين، فنسخ الله من ذلك ما أحب، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس، وجعل للمرأة الثمن والربع، وللزوج الشطر والربع" (البخاري).
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : "من مات على وصية مات على سبيل الله وسنتي، ومات على تقى وشهادة، ومات مغفوراً له" (رواه ابن ماجة).
o من الإجماع : استنادا إلى النصوص الصريحة أجمعت الأمة على مشروعية الوصية و لم يخالف أحد في ذلك..
حكمها
الندب من حيث الأصل في القربات و الأقارب الفقراء و للصالحين من الناس للنصوص السالف ذكرها و قد تعتريها الأحكام الأخرى من :
الوجوب: في حال ما إذا كان على الإنسان حق شرعي يخشى أن سيضيع إن لم يص به سواء كان حقا لله أو للعبد
الكراهة : كالوصية لمن يظن أنه من أهل الفجور أو بشيء مكروه أ, كان الموصي قليل المال و له ورثة يحتاجون إليه .
الحرمة: إذا كانت بمعصية أو تؤدي إلى معصية أو فيها إضرار بالورثة
الاباحة: إذا كانت بأمر مباح أو الوصية لغني
الترغيب في الوصية و حكمة مشروعيتها
رغب الشرع الحكيم في الإنفاق تبرعا في وجوه البر و الخير زيادة للمكلف الأجر و الثواب و شرع لأجل ذلك عقود التبرعات التي تدخل في عموم آيات و أحاديث الإنفاق منها قوله صلى الله عليه و سلم: " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة : إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له " رواه مسلم في كتاب الوصية. و تعتبر الوصية من أبواب الإنفاق على المعسرين والفقراء والمساكين والعجزة والأرامل ونحوهم وهذا بدوره يقوى روابط المحبة والمودة والتعاطف بين الناس، كما أن فيها تدعيماً لمشاريع الخير والبر ، وبذلك يكون للموصى أجر عظيم ويستجلب له دعاء الناس وينال من الله الرحمة مع العلم أنها لا تضر الموصي في حياته خلاف للتبرعات الأخرى اللازمة في حياتهم و في هذا حافز قوي للمكلفين على الإقدام عليها
أما حكمة مشروعيتها :
تتجلى في مجالات شتى منها المجال الاعتقاد و التعبدي , و المجال الأخلاقي, و المجال الاقتصادي الاجتماعي من ذلك:
o صيانة حقوق الغير التي في ذمة الموصي ورد الواجبات (اجتماع اقتصادي )
o تدارك الموصي لما يكون قد فاته من أعمال البر في حياته (اعتقادي تعبدي )
o تخفيف عبء الحياة على الأقرباء غير الوارثين (صلة الرحم أخلاقي )
o مساهمتها في تفكيك الأموال وتدعيم التكافل الاجتماعي ( اقتصاد اجتماعي )
o تجعل الموصي مطمأن على أولاده أن يلحق بهم السوء ( اعتقادي أخلاقي)
o إبراء ذمة الموصي من الحقوق و الواجبات اللازمة في ماله ( أخلاقي )
o إزالة أسباب العداوة من حقد و حسد ( أخلاقي )
o الانتفاع بها على الدوام إن كانت صدقة جارية (اعتقاد تعبدي )
o مساهمتها في بعض مشاريع الخير التي تعد بالنفع لمجتمع وبخاصة إذا كانت الوصية للجمعيات لخيرية و دار الأيتام و العجزة ..( اقتصادي اجتماعي)
o تذكير الموصي أهله و أقاربه بتقوى الله تعالى و طاعته والتزام شرعه ( اقتداء بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم
أركان الوصية و شروط أركانها :
(أ)الموصي : وهو كل مالك مميز، فلا تصح من العبد، ولا من المجنون إلا حال إفاقته، ولا من الصبي غير المميز، وتصح من الصبي المميز إذا عقل (خلافاً لأبى حنيفة، وتصح من السفيه الكافر إلا أن يوصى بمحرم لمسلم، كما لا تصح الوصية من المكره ولا من المدين الذي يستغرق دينه كامل تركته.
(ب) الموصى له : وهو من يتصور له الملك سواء كان موجوداً أو منتظر الوجود، ولا وصية لوارث إلا إذا أجاز سائر الورثة ذلك.
(ج) الموصى به : وهو ما يجب تنفيذه، ولا يجب أن يزيد عن الثلث إلا إذا أجاز سائر الورثة ذلك كما سبق الإيضاح، ويجب أن يكون حلالاً وأن يكون موجوداً عند الوصية ومملوكاً للموصى.
د) الصيغة : و هي كل ما دل على الوصية باللفظ أو الكتابة أو الإشارة المفهمة من العاجز
مبطلات الوصية و الرجوع فيها
تبطل الوصية في الحالات الآتية :
- إذا مات الموصى له المعين قبل موت الموصى.
- قتل الموصى له للموصي: للقاعدة من استعجل الشيء عوقب بنقيض قصده و قياسا على حديث " ليس للقاتل شيء " (أخرجه مالك في الموطأ )
- تلف الموصى به المعين بالذات أو هلاكه.
- رفض الموصى له المعين الوصية فتعود على ورثة الموصي, و له أن يقبل بعضها و يرد بعضها
- الوصية بالحرام : سواء كان المال الموصى به حراما أو حلالاو أوصى في استعماله في الحرام
- الرجوع في الوصية من طرف الموصي في حال صحته أو مرضه. و يتم ذلك بالطرق الآتية:
- التعبير الصريع بالقول و الكتابة و الإشارة عند الاقتضاء
-تعليق الوصية على حدوث شيء لم يتم – كأن يقول : إن مت فى مرضى هذا فلفلان كذا، فلم يحدث وصح من مرضه.
- بيع الموصي للشيء الموصى به
- تصرفه في الموصى به تصرفا يدل على التراجع سواء بتفويته لغيره أو باستعماله لنفسه كمن أوصى بزرع فحصده ليستعمله, أو بثمر فقطفه, أو بدابة فوهبها , أو أوصى بدار ثم رهنها في دين فإن حق المرتهن مقدم على حق الموصى له و لا شيء له إذا استغرق الدين قيمة الدار.